كتب الأستاذ علي الطنطاوي مقالاً في عدد الرسالة الماضي تحت عنوان من (ذكريات بغداد)، أشار فيه إلى صالحيتين فقال (بروحي صالحية دمشق وصالحية بغداد)، ونسي صالحية مصر، فسامحه الله - لذا جئت أذكره بها.
أما موقعها فعلى نهاية الخط الحديدي المعروف بها، وكانت تربطها بالقنطرة سكة حديدية، أقيمت أيام الحرب الماضية، ثم نزعت قضبانها الحكومة المصرية لسبب لا يعلمه إلا الله، وبقيت المحطات بين الصالحية والقنطرة أنقاضاً، تذكّر الناس بحملة فلسطين وأنفار السلطة، وكانت القطارات تمر على الخط بعد منتصف الليل، ولا يزال صدى صوت المجنّدين للسلطة وأغانيهم البريئة يرن في أذني، حينما كنا صغاراً فيقطع نومنا الهادئ صفير القطارات العسكرية تحمل العتاد والرجال للجبهة في شرقي القنال.
وصالحية مصر، فيها جمال الواحة وجمال الريف، ولقد دخلتها وقت طلوع الفجر، فأخذتني روعة الصحراء، ورأيت الرمال ممتدة إلى نهاية النظر، تلك الرمال التي قال عنها العرب: الجفار والغرابي والهبير، وهي الواقعة وراء جبال طي إلى أرض مصر، أما نخيلها فيبدو كغابة من غابات إقليم الشرقية، التي ينفرد بها إقليم الحوف كما كان يطلق عليه قديماً، إذا أتيت إليها من الغرب مشرقاً، شممت لأرض الحوف نسيماً أرق من نسيم الدلتا، لأنه يحمل أريج الصحراء، وإذا نظرت إلى نخيل الصالحية عند الشروق أو في ليالي القمر، شهدت منظراً لا تشبع العين منه، وتحس في صالحية مصر بالنشاط الذي يملأ النفس والجسد، ويجعلك تفكر في آفاق بعيدة فيما وراء النظر، فيما وراء هذه الرمال، حيث مشرق الشمس ومطلع سراج الدنيا. والصالحية من بناء سلطان عظيم، هو الملك الصالح نجم الدين أيوب، طيب الله ثراه، أنشأها سنة ٦٤٤ هجرية، على طريق القوافل بين مصر ودمشق، لتكون منزلة لعساكر الإسلام، إذا خرجوا من مصر للجهاد في الأراضي المقدسة، أو عادوا من الحرب إلى مصر، وبنى بها قصراً وجامعاً وسوقاً، وكان ينزل بها ويقيم فيها، ودخلها من بعده الكثير من ملوك مصر وأمرائها في ذهابهم للفتوح ودعوتهم منها، ولذا تألق اسم الصالحية في تاريخ مصر العربي، وعرف صعيدها الكثير من العز والمجد، وورد ذكرها