يقول علماء التربية وعلماء النفس فيما يقولون من الحق: إنه يمكن التخفيف من حدة الغريزة الجنسية عند المراهقين بصرفهم إلى الفنون الجميلة. وهم لهذا يوصون المربين بأن يعلموا المراهقين الموسيقى والتمثيل والرسم والأدب. وقد استجاب لهم المربون فأنشئوا في المدارس الثانوية وبخاصة جمعيات الفنون الجميلة إلى جانب فرق الألعاب الرياضية التي سبق أن أثبت دعاتها أن من يمارسها من المراهقين يبذل فيها من نشاطه البدني ما يحتاج بعده إلى الراحة بعيداً عن التفكير في الاستجابة لهتاف الغريزة الجنسية.
فهل أثبت دعاة الفنون الجميلة من علماء التربية وعلماء النفس دليلاً على أن من يمارسها من المراهقين يبذل فيها شيئاً من نشاطه يحتاج بعده إلى الراحة بعيداً عن التفكير في الاستجابة لهتاف الغريزة الجنسية لتطمئن بهذا الدليل عقولنا. ولتؤمن بأن الذي يدعون إليه قائم على أساس من الحق يرتكز على صلة مؤكدة بين الفنون الجميلة والغريزة الجنسية، أو أنهم رأوا الفنانين أكثر الناس انصرافاً عن نزعات البدن فخطر لهم أن يتصيدوا المراهقين بالفنون يشغلونهم لبها عما تتلهف إليه أبدانهم الحارة الملتهبة. فهي إذن مؤامرة من الخداع والتضليل اتفق عليها علماء التربية وعلماء النفس، وجازت على من وقع في أيديهم من المراهقين أو جازت - في القليل - على بعضهم؟
ولكني إذ أقول هذا أرجو علماء التربية وعلماء النفس أن يمضوا في مؤامرتهم هذه إلى أبعد حد، وأن يأخذوا بها المراهقين وغير المراهقين من كل من تسوقه إليهم الحياة ليربوه. فليس أشرف من هذه المؤامرة شيء، وسيجيء قريباً أو بعيداً ذلك اليوم الذي توفق فيه أساليب العلم إلى كشف ما بين الغريزة الجنسية والفنون الجميلة من صلة حقيقية مؤكدة. ولست أريد بهذا الادعاء بأن العلم غائب عن هذه الصلة، ولكني أريد أن أقول: إنه لا يزال يحوم حولها، ولما يجرؤ على غزوها لأنها ميدان جديد عليه، ولأنه لما يستنبط الميزان