للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب العربي]

مآثر العرب في الفلك

مقدمة

يعيب البعض على العرب انهم لم يكونوا عمليين، ولم يعرفوا من العلوم إلاّ قسمها النظري، وهذا الاعتقاد خطأ، ويظهر فساده جلياً ببعض الإلمام بتأريخ العلوم، إذ يتحقق لدى الباحث المنقب أن للعرب عدا ترجمتهم أهم نتاج قرائح الأمم التي سبقتهم إضافات هامة وابتكارات جمة مبينة على التجربة، على أساسها بنى الغرب حضارته، ولولاها لما تقدمت المدنية تقدمها الحاضر. والآن سأبحث بصورة مجملة عن أهم مآثر العرب في علم الفلك، وطبعاً لا يمكنني في هذه العجالة أن أجول كثيراً في هذا الموضوع فهو أجلّ من أن يوف حقه بمقالة، ولقد سبقنا الغربيون إلى البحث عن التراث العربي في الفلك وغيره من العلوم والفنون، وأظهروا الاكتشافات الفلكية التي للعرب وأثر ذلك في تقدم العلوم الطبيعية، وكان من ذلك أن اعترف المنصفون من علماء الفرنجة بخصب العقل العربي وفضل الحضارة العربية على حضارتهم التي ينعمون بها.

اعتناؤهم بالفلك:

لم يعرف العرب قبل العصر العباسي شيئاً يذكر عن الفلك، اللهمّ إلاّ فيما يتعلق برصد بعض الكواكب والنجوم الزاهرة وحركاتها وأحكامها، بالنظر إلى الخسوف والكسوف، وبعلاقتها بحوادث العالم من حيث الحظ والمستقبل والحرب والسلم والمطر والظواهر الطبيعية، وكانوا يسمون هذا العلم الذي يبحث في مثل هذه الأمور بعلم التنجيم، ومع أن الدين الإسلامي قد بيّن فساد الاعتقاد بالتنجيم وعلاقته بما يجري على الأرض لم يمنع ذلك الخلفاء ولا سيما العباسيون في بادئ الأمر أن يعتنوا به وأن يستشيروا المنجمين في (كثير من أحوالهم الإدارية والسياسية. فإذا خطر لهم عمل وخافوا عاقبته استشاروا المنجمين فينظرون في حال الفلك واقترانات الكواكب ثم يسيرون على مقتضى ذلك) وكانوا يعالجون الأمراض على مقتضى حال الفلك، يراقبون النجوم ويعملون بأحكامها قبل الشروع في أي عمل حتى الطعام والزيارة. ومما لاشك فيه أن علم الفلك تقدم تقدماً كبيراً في العصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>