العربي القديم من أبسط الناس طبيعة، وأوضحهم سريرة، وأصرحهم لسانا، وأشدهم استمساكا بما يراه الحق، وأعظمهم حمية، أن يجري عليه ذل أو ضيم. ثم هو من اكثر الناس قناعة، وأرضاهم من حطام الدنيا بالكفاف.
ذلك الخلق، الذي قد لا ترضى عن بعض نواحيه النظريات الأخلاقية الحديثة، يرجع إلى البيئة الطبيعية والاجتماعية التي نشأ العربي في حجرها، صيغ على مثالها. فالبادية محدودة الحاجة، ونظام القبيلة الاجتماعي إنما هو نظام الأسرة مكبراً. وكم للناس من فضائل هي وليدة بيئتهم، وإن شئت فقل: كم من فضائل الناس ما هو مرزوق غير مجلوب، وموهوب غير مكسوب!.
ولقد جاء الدين الإسلامي مطبوعا في جملته بالطابع العربي، موسوما بسمته، قد سلك إلى الحقيقتين الدينية والاجتماعية اقرب السبل، وعبر عنهما أوجز تعبيره وأبلغه، فهو من ناحية يأمر بالتوحيد المحض، ومن ناحية أخرى يأمر بالتسوية بين الناس في الحقوق العامة، وبالأخذ من الدنيا بحساب.
ولكن شاء الله أن ينبعث العرب من جزيرتهم غزاة فاتحين، وان يحووا مواريث أمم التبس عليها أمر الحقيقتين المذكورتين، فلم يلبث العرب أن تأثروا بتلك الأمم وانتقلت إليها أدواؤها وأصابهم ما أصابها من لبس واضطراب. فأما الحقيقة الدينية السهلة فقد صيّرها غلاة الفقهاء والمتكلمين، وأهل الأهواء والنحل، أمراً صعباً مستصعباً، له ظاهر وباطن، وقريب وبعيد.
ليس من موضوعنا أن نفيض فيما طرأ على الحقيقة الدينية في صدر الإسلام، ولكن موضوعنا مقصور على ما عرى الحقيقة الاجتماعية فنقول إن هذه أيضاً قد ضل عنها رجال السياسة ضلالا بعيدا. فأفسدوا بذلك النفس العربية الساذجة، وأبدلوها بالزهد في