للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقتل عمر بن الخطاب]

نقلها عن جرائد ذلك العهد الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

اختلف المؤرخون في مقتل عمر رضي الله عنه، فمنهم من قال إن أبا لؤلؤة حقد عليه لأنه لم يخفف عنه الخراج الذي ضربه عليه سيده المغيرة بن شعبة؛ وقال آخرون بل ائتمر به الهرمزان وهو قائد فارسي أظهر الإسلام وأضمر الغدر، وجفينةُ وهو من نصارى نجران الذين أجلاهم عمر عن جزيرة العرب. وقد فاتني - لسوء حظي - أن أشهد الحادثة الضخمة وتأخرت عنها أكثر من ثلاثة عشر قرناً. ولو حضرتها لعرفت كيف أقول! ولكنه لا يجدي الأسف على شيء فات؛ وما لا يدرك كله لا يترك كله؛ وقد وقعت لي (أعداد) من (صحف) ذلك الزمن، مثل جريدة (يثرب)، وجريدة (دار الهجرة)، وجريدة (العذراء)، وغيرها من الصحف الأولى التي كانت تصدر - صباحاً أو مساءً - في صدر الإسلام. وأكبرها جميعاً (يثرب)، وكانت تظهر في الفجر، فيتخطفها الناس وهم خارجون من صلاتهم بالمسجد، وكان لها مكاتبون في الأمصار قاصيها ودانيها، يوافونها بأخبارها وأحوالها، وسيرة ولاتها وعمالها، وجلهم - أي المكاتبون - ممن دخلوا مع رسول الله مكة، واشتركوا في حروب الردة، وقاتلوا مع سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة، وخالد بن الوليد، في فتوح العراق وفارس والشام، ومن أجل هذا كانت الثقة بأنبائهم عظيمة، والاطمئنان إلى الرواية تاماً؛ ولا عجب بعد ذلك إذا كانت (يثرب) كبرى الصحف في ذلك العهد وأوسعها انتشاراً، وأوثقها حالاً. ومما ينبغي أن يذكر من مفاخر هذه الجريدة أن العرب إلى عهد عمر رضي الله عنه كانت تتعامل بالنقود الفارسية والرومية فدعت (يثرب) إلى ضرب نقود عربية وألحت في ذلك؛ ورأى عمر رضي الله عنه أنها على حق، فأمر فضربت الدراهم على شكل النقود الفارسية، فلم تقنع (يثرب) بهذا، وطلبت أن ينقش اسم الله تعالى واسم رسوله تمييزاً لها عن نقود الفرس، فاستحسن الخليفة رأيها، فأمر فكتب على الدراهم: (الحمد الله) على وجه، و (محمد رسول الله) على الوجه الآخر. وقد زعم حاسدوها وشانئوها - من الفرس المغلوبين على أمرهم - أنها ما دعت إلى ذلك إلا ليسهل بيعها، فينشر أمرها ويعظم ربحها، وقالوا: ألا تراها قد أشارت بضرب الدراهم ولم تذكر الدنانير قط؟ فذاك لأن الدراهم خسيسة، ولأن النسخة من جريدة (يثرب) تباع بدرهم! ولكن هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>