أخرج شاعر اللذة والجمال الأستاذ علي محمود طه روايته المصرية الشعرية (أغنية الرياح الأربع) في ثلاثة فصول تتسم بسمات الفن الرفيع الذي عرفه القراء في كل ما صدر عن هذا الشاعر المبدع. وقعت حوادث هذه الرواية منذ أربعة آلاف عام على شواطئ البحر الأبيض من السواحل الفينيقية إلى السواحل المصرية. ولهذه المسرحية الباسقة الفروع الدانية القطوف نواة من أصل تاريخي عثر عليه الأثري الكبير الأب (دريتون) عام ١٩٤٢، فنقله من اللغة المصرية إلى اللغة الفرنسية؛ ثم نشره في كتيب صغير قدم له بكلمة شارحة نقتطف منها ما يأتي:
(أغنية الرياح الأربع تقوم على الحوار، فبعد. أربع مقطوعات تغني كلا منها فتاة، يدخل رجل فيحييهن ويشرع في خطفهن ليستولي على الرياح الممثلة فيهن، فيغريهن بإثارة الفضول في نفوسهن، وذلك بأن يعرض عليهن زيارة سفينته (وتلك كانت خطة البحارة الفينيقيين في عهد هذه الأغنية يلجئون إليها عندما يريدون اقتناص الجواري من بلاد البحر الأبيض)، ولما قوبل طلبه بالرفض، لم يستسلم للهزيمة كما هو واضح من المقطوعة الأخيرة في الأغنية (إن وسائلي لا تنفد)، ولكن لسوء الحظ لم نعثر على تكملة الأغنية والوسائل التي لجأ إليها الرجل، وأكبر الظن أنها مما يثير الشراهة التي تكشف مواطن الضعف في النساء.
ويبدو من قراءة هذه الأغنية أنها لم تصل إلينا كاملة، بل امتدت إليها يد التغير، تشهد بذلك مقطوعتها الثالثة التي تتغنى بريح الشرق فإنها تزيد على المقطوعات الأخرى، وربما تعمد ذلك الذي قام بجمع أجزائها حتى تبدو هينة سهلة.
ومهما يكن من أمر هذا الحذف فإن هذه الأغنية قد وسعت من آفاق معارفنا عن أقدم نصوص الأدب المصري وأضافت إلى معلوماتنا شيئاً جديداً جديراً بالتقدير.
ولسنا مغالين إذ نقول إنها أثبتت وجود شعر غنائي ملئ بالخيال والعذوبة في مثل هذا العهد البعيد).