للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإسلام في ضوء البحوث النفسية الحديثة]

للدكتور محمد البهي

أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين

لم يختلف موضوع البحث النفسي في الحديث عنه في القديم، فقد كانت (النفس الإنسانية) وما زالت موضوع هذا البحث منذ أن عرف الإنسان الباحث استقلال بحثه عن تعاليم الكهان في الجماعات البشرية الأولى إلى عصرنا الحاضر. والجانب الذي يفترق به أحد النوعين عن الآخر هو فقط في النظرة التي يعالج بها موضوع (النفس). فبينما كان يتجه القدامى من المعالجين للنفس الإنسانية. . وكذا من سلك طريقهم من علماء القرون الوسطى - إلى محاولة الكشف عن (حقيقتها): ما هي؟ وهل لها استقلال ذاتي عن الجسم؟، وعن مصدرها وعن مصيرها: هل هي من عالم الأزل وسترد إليه؟ أم تنسب إلى عالمنا الذي نعيش فيه؟ وعن أقسامها وعن أنواعها: منها ما هو خير، ومنها ما هو شرير، ومنها ما هو مزيج من الخيبة والشرية. . . إلى غير ذلك من التساؤل الميتافيزيقي، خاضعين في الإجابة والشرح لما كانت تقول به فلسفة (ما بعد الطبيعة) تحت تأثير آراء التعاليم الدينية الأولى على نحو ما يذكر في علم القصص الديني القديم (الميثولوجي)، بينما كان ينحو بحث القدامى هذا النحو إذا بالمحدثين يعدلون عن هذا الاتجاه الميتافيزيقي في تحديد مشاكل النفس وتفسيرها إلى اتجاه آخر يجعل من أحوال (النفس) الخارجية التي تخضع للملاحظة الإنسانية أو التجربة العلمية موضوع الشرح والتعليل والعمل السيكولوجي على العموم.

ولسنا الآن بصدد ذكر العوامل التيس دفعت المحدثين إلى مخالفة منهج القدامى ونظراتهم في ميدان البحث النفسي، لأن ذلك موضوع آخر يطرق فيما بعد.

وإذا كانت نظرة المحدثين في معالجتهم (النفس) تجاوزت حقيقتها إلى ما يصح أن يسجل من أحوالها على العموم فقد استعاضوا كذلك عما ألفه القدامى من الحديث عن (مبدأ) النفس و (معادها) وعما اعتاد هؤلاء أن يرسموه من طريق لحياتها، من كونها: تبتديء بالهبوط من أعلى وتنتهي من جديد بالصعود إلى ذلك الأعلى والخلود فيه، استعاضوا عن ذلك بوضع خط سير آخر: بدايته البدائية، ونهاية الرشد والنضوج.

فتحدثوا عن تطور للنفس، وعن مراحل هذا التطور. وعنوا ببحث الطفولة ومظاهرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>