للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٦ - دعوة محمد]

لتوماس كارليل

تتمة البحث

للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ

عظمة محمد:

إني لأحب محمداً - وليس في مقدور أي إنسان منصف لعقله إلا أن يحب هذا الرجل - وذلك لبراءة طبعه من الرياء والتصنع. فلقد كان محمد هذا رجلاً مستقل الرأي، لا يعول إلا على نفسه ولا يدعي ما ليس فيه، لم يكن متكبراً ولكنه لم يكن خانعاً ذليلاً، فهو قائم في جلبابه المرقع كما أوجده ربه وكما أراد له أن يكون، يخاطب بقوله الحر المبين، أكاسر الفرس وأباطرة الروم، يدعوهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم، ويرشدهم إلى ما يجب عليهم في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى. وكان يعرف لنفسه قدرها ويضعها في موضعها اللائق بها. فلا يتقدم حيث يجب التأخر، ولا يتأخر حيث يجب التقدم، ولا يقسو حين تستحب الرحمة، ولا يرحم حين تفيد الشدة، ولقد وقعت بينه وبين الأعراب حروب متعددة، لم تخل من مشاهد القسوة، ولكنها مع ذلك لم تخل من دلائل الرحمة وسعة الصدر وكرم الغفران. ومع ذلك فقد كان لا يعتذر من الأولى ولا يفخر بالثانية، فد كان يراها من أوامر شعوره ووحي وجدانه. ولم يكن شعوره لديه بالظنين ولا وجدانه عنده بالمتهم.

وكان محمد رجلاً ماضي العزم قوي الشكيمة لا يؤخر عمل اليوم إلى غده، فقد حدث في غزوة تبوك أن أمتنع المسلمون عن السير إلى ساحات القتال، متذرعين بأن الوقت وقت الحصيد، وبأن الحر شديد لافح، فنظر إليهم نظرة نفذت إلى قلوبهم ثم قال لهم: الحصيد؛ إنه لا يلبث إلا يوماً أو يومين، فماذا تتزودون لحصيد الآخرة، وأما الحر فإنه نعم حر شديد ولكن حر جهنم أشد حراً، فماذا انتم فاعلون هناك.

وقد كان في بعض الأحايين يخرج كلامه سخرية لاذعة وتهكماً مراً؛ من ذلك قوله للكفار، إنكم ستجزون يوم القيامة عن أعمالكم وأنه سيوزن لكم الجزاء، ثم لا تبخسون عن أعمالكم مثقال ذرة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>