كان فرحي بظهور هذا الكتاب فرحاً عظيماً، لأن إعادة طبعه كانت رغبة، بل أمنية، اشتهيتها منذ بضعة عشر عاماً. وظهوره في طبعته الثالثة يسد نقصاً في المكتبة المصرية، لأن طبعته الأوليين نفذتا ولم نستطيع الحصول عليه لندرة وجوده، فلما ظهرت هذه الطبعة تلقيتها فرحاً فما هو هذا الكتاب؟
إن مقدمات العقاد لكتبه هي غالباً مفاتيح لشخصيته العظيمة المتعددة النواحي في تلك الكتب العديدة، وهي شروح للظروف التي أوحت بها، وللمؤثرات التي أحاطت به فكتبها، فلنرجع إلى تصدير الطبعة الثالثة حيث يقول:(هذه الرسالة وليدة الحرب العالمية الماضية. . . شغلني موضوعها يومئذ، لأنه موضوع الصراع في الحياة الإنسانية، بل في الحياة عامة، وأحببت أن اعرف لهذا الصراع معنى يطمئن غليه الضمير، فانتهيت بالرسالة إلى معنى فيه بعض الاطمئنان أو كل الاطمئنان، وهو أن الحق والنواميس الطبيعية يتلاقيان)
ويقول فيها أيضاً:(وهاهي ذي الطبعة الثالثة لمجمع الأحياء تصدر والدنيا مشغولة بحرب عالمية أخرى هي اشد هولا وأوسع مدى وأٌقوى اختلافاً على المبادئ والآراء من الحرب التي نشبت قبل ثلاثين سنة، فإذا كان هناك خاطر يرد على الذهن في تصدير هذه الطبعة - خلال هذه الحرب القائمة - فذلك الخاطر مما يزكي موضوع الرسالة ويؤيد نتيجتها، أو يسير بنا في وجهتها، وهي أن الصراع الأكبر الذي نشهده اليوم سينتهي أيضاً إلى عاقبة فيها بعض الاطمئنان أو كل الاطمئنان، لأنها تناقض القوة العمياء: قوة الحديد والنار، وتشايع القوة البصيرة: قوة العدل والحرية).
والعقاد يبسط في مقدمة الطبعة الثانية آراء عميقة: منها أن الخير والشر في هذه الدنيا لا ينفصلان، وأن أشرف ما يعرفه الناس من الحق غيرتهم على ما يعتقدون أنه الحق، ولكن الحق الذي نعرفه غير الحق الذي تتوخاه حركات الكون، والسعادة المطلقة لفرد واحد معناها إبادة مطلقة للنوع، وكثيرون من الخلق يشكون من تفاوت الأعمار والخطوط، فإذا تساوى الناس في كل شيء، فأي دنيا تكون هذه وأي حياة؟ ولو أن هؤلاء الشاكين صار