للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البريدُ الأدبي

محاولة قديمة جريئة في الفقه الإسلامي

كنت أعتقد إلى إطلاعي على هذه المحاولة أن عصرنا هو الذي يمتاز بهذه المحاولات الجريئة في الفقه الإسلامي، لأنه يمتاز على ما سبقه من العصور بما جد فيه من ظروف وأحوال انتهت بإبطال العمل بهذا الفقه في قسم المعاملات، فكان هذا سبباً في تلك المحاولات الجريئة التي يقصد منها تطويع هذا الفقه لمجاراة الظروف والأحوال، وإيثار العمل بروح الشريعة السمحة على الوقوف عندما تقضي به النصوص والألفاظ

ومن تلك المحاولات ما ذهب إليه بعضهم من أن الإسلام كغيره من الديانات لا يراد منه إلا تهذيب الروح، فلا يكون من صميمه إلا قسم العبادات؛ أما قسم المعاملات، فهو قسم دنيوي يقبل التغيير والتبديل، ولا يثبت على حال واحد كقسم (العبادات)

ومنها ما ذهب إليه بعضهم في مجلة (الرسالة) الغراء من تقسيم الإسلامي إلى دائم ومؤقت، وجعل قسم المعاملات من التشريع الثاني، لأنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بشخصية الإمام المجتهد، لا بشخصية الرسول المبلغ عن الوحي، وهذه المحاولة هي المحاولة الأولى بعينها في ثوب جديد وتمتاز عليها بقوة الأساس الذي بنيت عليه، وأنه كان بحيث لم يسع بعض المنكرين لتلك المحاولات، إلا قبوله بدون قيد ولا شرط.

أما تلك المحاولة القديمة، فقد ذكرها أبو جعفر النحاس في كتابه - الناسخ والمنسوخ - وجعلها مذهباً لبعض المتأخرين في النسخ، وهو يعني بالمتأخرين من جاء بعد الصحابة والتابعين؛ فقد ذكر لهم مذاهب في النسخ منها ما ذهب إليه بعضهم من أن يكون في الأخبار والأمر والنهي؛ وقد قال في رده: وهذا القول عظيم جدًّا يؤول إلى الكفر، لأن قائلاً لو قال: قام ثم قال: لم يقم؛ ثم قال: نسخته لكان كاذباً

ومنها هذا القول الذي يتضمن تلك المحاولة، وهو أن الناسخ والمنسوخ إلى الإمام ينسخ ما شاء، ولا شك أن المحاولتين السابقتين إنما تقصدان إلى هذه الغاية، وترميان إلى إعطاء الإمام هذه الحق؛ وقد قال أبو جعفر في رد ذلك القول: وهذا القول أعظم، لأنه النسخ لم يكن إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي من الله؛ إما بقرآن مثله على رأي قوم، وإما بوحي من غير القرآن؛ فلما ارتفع هذان بموت النبي صلى الله عليه وسلم ارتفع النسخ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>