للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشعر والقصة]

للأستاذ عباس محمود العقاد

حين يقول القائل إن الذهب أنفس من الحديد يقرر شيئاً واحدا، وهو أن الحديد لا يدرك ثمن الذهب في سوق البيع والشراء، ولكنه لا يقرر إلغاء الحديد ولا استخدام الذهب في المصانع والبيوت بديلا منه، ولا يعني أن الذهب يغني عن الحديد أو عن غيره من المعادن في غرض من أغراضه

كل ما يقرره شيء واحد وهو أن سعر الذهب أغلى من سعر الحديد، ولا لوم عليه في ذلك، وإن قيل له إن الحديد أنفع وأشيع من معادن الزينة والتجميل

ونحن قد فضلنا الشعر على القصة في سياق الكلام عليهما من كتاب (في بيتي)، فكل ما قلناه إذن هو أن الشعر أنفس من القصة، وأن محصول خمسين صفحة من الشعر الرفيع أوفر من محصول هذه الصفحات من القصة الرفيعة

فلا يقال لنا جواباً على ذلك إن القصة لازمة، وإن الشعر لا يغني عن القصة، وإن التطويل والتمهيد ضرورتان من ضرورات الشرح الذي لا حيلة فيه للرواة والقصاصين

ويستطيع الأديب الأستاذ محمد قطب أن يقرر كما قرر في (الرسالة): (أن القصة دراسة نفسية لا غنى عنها في فهم سرائر النفوس، وليس الشعر أو النقد أو البيان المنثور بمغن عنها، لأنها في ذاتها أحد العناصر التي يحتاج إليها القارئ)

يستطيع الأديب هذا كما يستطيع أن يقول: (إن الحديد معدن نافع لا غنى عنه في تركيب الآلات وبناء البيوت، وليس الذهب أو الفضة أو الجوهر النفيس على اختلاف بمغن عنها، لأنه في ذاته أحد المعادن التي يحتاج إليها في الحرب والسلم وفي الصناعة والتجارة)

ولكنه بعد كل هذا يذهب إلى السوق ليشتري الحديد، فلا يبذل في ثمن الذهب والفضة، ولا ينكر على التاجر أن يزن له درهما من النقد برطل من الحديد المفيد

وقد قلنا في كتاب (في بيتي) إن القصاص قد يرجح الشاعر في الملكة الذهنية والقريحة الفنية، ولكننا لا نفضل القصة على الشعر من أجل ذلك كما لا نفضل الجميز على التفاح، لأن الأرض التي أثمرت الجميز كانت في حالة من الحالات أخصب وأجود من الأرض التي أثمرت التفاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>