انتهينا في مقالنا الأول من الكلام عن الأدب الياباني حتى نهاية العقد الثامن من القرن التاسع عشر، أي بعد أن هدأت الثورة اليابانية الأهلية وابتدأت بوادر التجديد تظهر في جميع نواحي الحياة اليابانية كما هي العادة دائما عقب الثورات الاجتماعية الخطيرة التي تظهر في الأمم. وكان حظ الأدب الياباني من هذا التجديد عظيما إذ لم يلبث أن ظهر في الميدان الأدبي (كويو) وهو مؤسس المدرسة الأدبية الحديثة في اليابان المسماة (أصدقاء المحبرة) وكان هو وتلاميذه وأتباعه يدينون بالمذهب الواقعي، ولا يكتبون الا القصص المفعمة بالمشاعر الرقيقة، والتي تتزاحم فيها العواطف والنزعات المختلفة، متخذين كتاب الحياة مصدرا ومعينا لما يكتبون ويصفون. وبالرغم من تباين أتباع (كويو) في الأعمار والمراكز الاجتماعية والأزمنة التي عاشوا فيها كانوا يضربون جميعا في مؤلفاتهم على هذا الوتر الحساس الذي طرب له (كويو) فاتخذه شعاراً لمدرسته الأدبية الحديثة، ونعني به المذهب الواقعي. ولم يعمر (كويو) طويلا بل توفي في عنفوان شبابه بعد أن طبقت شهرته جميع أنحاء اليابان. وتعد قصته الموسومة (بشيطان الذهب) أبلغ أعماله الأدبية على الإطلاق. ولقد اشترك مع (كويو) في تأسيس تلك المدرسة الأدبية الحديثة أديب آخر يدعى (روهان) ولو أن هذا لم يكن يميل إلى المذهب الواقعي، بل كانت الروح الغالبة على مؤلفاته هي الروح الخيالية الدينية الفلسفية. كذلك اكتسب هذا الأديب شهرة فائقة بقصة ألفها تدعى (بوذا المدلل) وهو لم يكتب شيئا آخر غير تلك القصة، ولو أن العمر امتد به إلى ما بعد تاريخ هذا الكتاب بكثير.
وبعد الحرب الصينية اليابانية أخذت الآداب الغربية تطغي على اليابان رويدا رويدا، وكان أعظمها أثرا مؤلفات تولستوي وإبسن إذ ترجمت إلى اليابانية آثارهم وآثار غيرهم من زعماء الأدب الأوربي أمثال موبسان وهوجو وزولا وغيرهم حواليعام ١٨٩٦ حتى وقف العقل الياباني حائرا أمام هذا السيل الجارف من الآداب الأوربية؛ وحاول (كويو) وأتباعه أن يدخلوا روحا جديدة تحليلية على الأدب الياباني، وفعلا أصدروا عدة مؤلفات تعبر