كتب الأستاذ الكبير الزيات في رثاء صديقه المازني يقول:(فإذا أضيف إلى ذلك أن المازني كان أحد الكتاب العشرة الذين يكتبون لغتهم عن علم، ويفهمون أدبها عن ثقة، ويعالجون يبانها عن طبع، وأن هؤلاء العشرة البررة متى خلت أمكنتهم في الأجل القريب أو البعيد، فلن يخلفهم في هذا الزمن الثائر الحائر العجلان من يحمل عنهم أمانة البيان، ويبلغ بعدهم رسالة الأدب، أدركنا فداحة الخطب الذي نزل بالأمة العربية يوم توفي هذا الكاتب العظيم).
وهذا كلام سداه ولحمته الحق والأنصاف، وأن كان يعبر عن خيبة الأمل في الجيل الناشئ، ويصور الواقع المؤلم في هذا الزمن الثائر الحائر العجلان.
مات شوقي، وتبعه حافظ، فقال الناس خسرت مصر شاعرين عظيمين، وليس فيها من يخلفهما، ولكن هذا القول عز على بعض الشعراء، وآلمهم. فراح المرحوم أحمد الكاشف يدفعه بقوة، ويصيح:
قالوا قضى اشعر بعد الشاعرين ولم ... يعمر بمثلهما ميدانه الخالي
ولست وحدي له في مصر بعدهما ... فمصر ملأى بأشباهي وأمثالي
ولكنها كانت صيحة مكابر في الواقع المر، ولم يجد هذا الشاعر في مصر كثيراً ولا قليلاً من أشباهه وأمثاله، فأين مكان الشاعرين في ميدان الشعر ظل خالياً، وازداد ميدان الشعر فراغاً يموت الجارم ومطران، ولم تجد مصر من يشغل هذا الفراغ الهائل من شعرائها، وكان أكثر هؤلاء الشعراء كالفقاقيع ساعة وجودهما هي ساعة عدمها كما يقول الرافعي رحمه الله.
ومات الرافعي فقال المعجبون بفنه وعلمه ونبوغه، قضى كاتب العربية، وخلا مكانه في دولة الأدب، وهيهات أن يكون منه عوض، ولكن بعض القائلين رأى في تلاميذه ما يبشر بخير، وما يقوي الأمل في أن يكون من الرافعي عوض، لكن الزمن أيقظهم من أحلامهم اللذيذة، وردهم إلى الحقيقة المرة، ولم تظفر دولة الأدب العربي بخلف للرافعي العظيم.
في الشباب شعراء كثيرون، وكتاب أكثر، ولكن أين النابغة العبقري الذي تقول أنه