للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سيخسف شوقي أو الرافعي؟!

نحن لا ننكر أن فيهم من يؤلف الكتب، ومن يكتب المقالة، ومن يقرض الشعر، ولكن بين هؤلاء وبين شيوخهم في الأدب مراحل بعيدة الأطراف، فليس فيهم من يكتب بأسلوب الزيات، ولا من يؤلف بعقلية أحمد أمين، ولا من يجود تجويد طه حسين.

على أن الداء الدوي في هؤلاء الشباب، الغرور، والادعاء، والتنفج، والتكذب، وهو - في رأيي - ما عاقهم، ويعوقهم، عن بلوغ الغاية، والوصول إلى الهدف، فإذا عاش المازني ومات، متواضعاً، فاخفض الجناح (وما كنت تراه يوماً ذاهباً بنفسه، ولا متبجحاً بعلمه، ولا مباهياً بعمله) كما يقول الزيات، فإن عندنا من الشباب من هو عند نفسه (شاعر الدنيا) ومن هو (نموذج وحده في الآداب العربية، وستطفر به الآداب إلى عليين) وحسبنا أن ننظر في ديوان هذا الشاعر الصغير الذي لم يسمع به إلا أصدقاؤه، فتراه يقول:

قد صغت شعراً لو بعثت بدره ... للخلد لاستبقت إليه الحور

كم عز آبده على طلابه ... وكم ابتغاه متوّج وأمير

لم تُنْشِ أحرفه اللغاتُ وإنما ... صنع الجمال حروفه والنور

ولا نعدم في الكتاب كثيرين من أمثال هؤلاء، فهذا الكاتب الصغير الذي لم تعرف الصحف اسمه إلا منذ شهور (أرسى قواعد النقد على أسس سليمة) وذاك الخامل المجهول (لا يتطاول النقد إلى آثاره) وهكذا غرور وإدعاء، ووقاحة، وتخلف.

وفي الشبان طائفة لا يكتبون، وإنما هم أصداء لبعض كتاب الغرب، يفكرون بتفكيرهم ويكتبون بأساليبهم، وينهجون منهجهم في كل شيء، فلا ترى لهم شخصية فيما يطالعونك به وإنما هم عالة على أولئك الكتاب، ينقلون عنهم، فيصرحون حيناً، ويدلسون في أحيان كثيرة، ويخدع الناشئون بهم، ويظنونهم من كبار النقاد، ومن عباقرة الفن، وكل ما لهم من فضل - إن كان - أنهم يمحزقون على الشادين في الأدب ويوهمونهم أنهم أساتذة الجيل، وأن الكتاب جميعاً كبيرهم وصغيرهم يعترفون بفضلهم ويخطبون ودهم، وفي الحق أنهم يفقدون صفة الحياء، فهم يرفعون أصواتهم عالية بأنهم خلقوا للفن وخُلق الفن لهم، فإذا ساء حظك وجلست معهم رأيت ما شئت من باب جهل قد فتحوه - كما يقول الجرجاني -

وإن تعجب فعجب أمر هؤلاء الشبان الذين قصرت خطاهم وطالت ألسنتهم، فهم لا يزالون

<<  <  ج:
ص:  >  >>