وأذن الله أن أبرح عدن إلى الهند، فلم تبرح النفس تواقة إلى رؤية الشيخ الأكبر لطائفة البهرا، ولم تزل تستنفر عزيمتي حتى عاهدت كل منهما صاحبتها على أن تكون زيارة الشيخ أول ما أتكاف له بعد مطالعة (بمبى)، فلم أكد أنيخ الراحلة في هذه المدينة، حتى طالعني أبناء هذه الطائفة زرافات ووحداناً! تموج بهم المدينة؛ فهم في شوارعها ودروبها وحوانيتها يعرفون بطول اللحى، وبالعمائم البيضاء، و (البنطلونات) تحت المعاطف القصيرة، وبالنشاط الذي لا يفتر، وبالوقار الذي لا يُذهل عنه؛ فأنهم قوم جبلوا على النشاط حتى لتحسبهم في سرعتهم إذا ساروا وفي دأبهم إذا عملوا، أضعاف أضعافهم، هم لا يتجاوزون العشرين ألفاٍ في مدينة تزخر بمليون وثلثمائة ألف نسمة؛ ولكن دأبهم جعل الواحد منهم عشرة أشخاص! لا تكاد تراه هنا حتى تشهده هناك، كأنه من عالم الأرواح. . هم كالموج المتلاطم على سطح المحيط، يضيق به الخضم وهو منه كالحصاة من الجبل، بل وتمضي السفن في طريقها تشق العباب ولا تحفل به، حتى إذا دوى الموج ارتعدت فرقاً، واهتزت رعباً، وكانت تهتز عجباً.
ليس من جماعة البهرا من لا يجمع إلى فصاحة الأردية طلاقة الكجراتية، ورطانة الإنجليزية؛ وليس فيهم من يعرب لباسه عن حاجة؛ أو ينم ضعفه على هوان، فكلهم عند نفسه كريم، وفي قومه عزيز.
كنت راغباً في زيارة الشيخ الأكبر، فلم يزدني ما تحققته من طوابع طائفته إلا رغبة أمست رؤى، وأصبحت هواجس - والشيخ لا يحظى بالاستئذان عليه إلا كل عظيم بارز في قومه، ولا مناص - لمن شاء - من رجاء يتقدم به إلى رئيس الوزارة البهرية، فإذا انتهى هذا به إلى الشيخ فأذن، حدد الموعد بحساب الدقائق فيما لا يستنفد من الساعة إلا أقلها، وعلى أن يذكر الزائر أن الدقيقة ستون ثانية، والثانية ستون ثالثة، فكأن دقات القلب لا تسعف في هذه الحساب.