ننقل اليوم خطوتنا السادسة في سبيلنا القاصدة إلى غايتنا البعيدة؛ وليس لنا عدة غير الإيمان، ولا زادٌ غير الصبر، ولا عونٌ غير الله. وعَسِيٌّ بالمؤمن الصابر المتوكل أن يبلغ وإن طال الأمد!
تعودنا منذ صدرت الرسالة أن نتحدث إلى قرائها وأصدقائها في مثل هذا اليوم من كل عام، نجدد لهم العهد الذي أعطيناه، ونعرض عليهم الشوط الذي قطعناه، ونتصل من وراء الغيب بأرواحهم العارفة العاطفة الآسية؟، نسترفه بنجواها من الشُّقَّةِ الجاهدة، ونستعين بهداها على المرحلة الجديدة.
أما العهد فإننا نجدده ونؤكده. ولله علينا ألا يحله إلا خروج النفس أو نكول العافية. وأما الشوط فكان رهَقُه محنة المجاهد وبلاء الدليل. انبثقت على جانبيه العوائق المثبطة من إلحاح المرض وغلاء الورق واضطراب السياسة ونغل الصداقة وشيوع الأدب الهزيل، فثبتت الرسالة في مكانها لا تهِن، واستقامت في طريقها لا تحيد. وطريقها هو الطريق الوحيد الذي سنَّه الخُلق الفاضل؛ وهو أقرب الطرق إلى الغاية لأنه مستقيم. على أن استقامته طالما كانت - وا أسفاه - علة الإبطاء والبعد. فقد يعترضك وأنت مطمئن إلى السير فيه النهر الذي لا يُعبر، أو الجبل الذي لا يجتاز، أو العقبة التي لا تقُتحم، أو السبع الذي لا يُهاجم؛ فتقف مضطراً تعالج هذا العائق بالعزيمة والحيلة والجهد، لأن الأخلاق الرقيبة لا تنفك تهيب بك من جهاتك الست:
(لا تتنكب الجادّة المثلى، ولا تزغ عن الصراط السوي).
وتنظر حواليك فلا تجد إلا الفراغ والوحشة، لأن الركب الذي كنت تسايره راعه الأمر وخذله الصبر وأعجلته الغاية، فتبدد ذات اليمين وذات الشمال يرتاد المسالك السهلة، وخلَّفك وحدك على سواء الطريق عرضة للجوع والخوف! فإذا سمعت من هذا السائر المتروك صرخة ثائرة فاعزُ حدتها إلى الحائل الذي قام، وإلى الرفيق الذي نكص!
ليس من طبع الرسالة أن تمالق الرغبات بالتَّمْنية، ولا تستميل الشهوات بالوعد. فإن العمل الصامت أنطق الأدلة على توخي الحق؛ والماضي المعلوم أضمن الوثائق للمستقبل المجهول.
هذه مجلدات الرسالة التسعة! أليست هي شهادتها الصادقة على أنها أوفت بما عاهدت