بين الغفلة واليقظة - صيحة في أذن الإنسان - لو، ولعل،
وربما - لا ملام على الأقدار - لم تفت الغاية - نقطة البدء
في الحياة الفكرية - الجناية الأولى - حادث عظيم - آثار من
الوثنية - الوضع الأصيل الدين - ديانة الحياة.
حينما أعس وأندس إلى مجلس في مقهى بلدي حقير أرقب الحياة الإنسانية في بعض جوانبها، وأتفرس في وجوه القوم ونواصيهم، وأتسمع إلى أحاديث دنياهم وآمالهم وأعمالهم، وأتتبع نظراتهم للحياة فأجدها لا ترتفع إلى شيء سام، ولا تدور حول قضية من القضايا العليا للحياة، ولا تفكر في مبدأ أو مصير، ولا تتساءل عن صلاح أو فساد. . .
وحينما أقذف بجسمي في زحمة سوق من الأسواق بين ضجيج الحركات والأصوات والأبواق وصفقات الأيدي الخاتلة على الأيدي المختولة في العقود والمبايعات، وسائر الارتفاقات والمشاحنات.
وحينما أرصد حياة الأفراد اليومية. فأجدها سلسلة من الغفلات والأكلات واللذات والأعمال الآلية التي لا استحضار فيها لمعان كريمة، ولا يقظة فيها إلى أسرارها ومآل الإنسانية بها. . . وإنما هي دورات رحوية وسير أعمى وراء دولاب الحياة من غير سؤال: إلى أين المسير؟
حين هذا كله أجد في نفسي كأن الإنسانية عريقة في غفلتها وذهولها، وكأنها خلقت لهذه الغفلات ولن تكون لغيرها، ولن تكون لحياة أخرى وراء هذه الحياة. . . وكأنها منفصلة عن حياة الطبيعة الحادة الواعية العادلة الموزونة انفصالاً يكاد يجعلها عالماً مستقلاً. . .
ذلك وحي رؤيتي لغفلات الناس وانقطاعهم عما يدور في الأكوان، وإهمالهم التفكير في مبدأ الحياة ومنتهاها وفي خفايا الطبيعة وأسرارها. . .
وحين أجلس مجلساً تثار فيه الأفكار عن الكون والفساد والحقائق والأباطيل وتصول فيه العقول وينبري بعضها لبعض بالاعتراض والرد والتعليق والتشقيق والبيان الساحر