اطلعنا في بعض الصحف النمسوية الأخيرة على خلاصة آراء ومحاضرات يذيعها الدكتور يوليوس جرمانوس المستشرق المجري في الإسلام والعالم الإسلامي الحاضر؛ وقد جاء الدكتور جرمانوس إلى مصر منذ عامين وقضى نحو أربعة اشهر في تعلم اللغة العربية وحج إلى مكة (لأنه يعتنق الإسلام)، ثم عاد إلى وطنه يلقي المحاضرات ويكتب المقالات العديدة عن العالم الإسلامي، ويعلن في كل فرصة أن أحداً لم يوفق مثل توفيقه إلى دراسة اللغة العربية وشئون العالم الإسلامي قاطبة. بيد أن الدكتور يبدي في معظم الأحيان آراء لا تخرج في جملتها عما نسمعه عن كثيرين غيره زاروا البلاد الإسلامية زيارات طائرة، ثم زعموا انهم يعرفون من أمرها ومن حاضرها ومستقبلها كل شيء فهو مثلا يقول عن اللغة العربية أنها تعتبر بالنسبة إلى اللغات (أو اللهجات) التي تتكلم بها الشعوب العربية مثل اللاتينية بالنسبة إلى اللغات الرومانية التي نشأت عنها، وهذا تشبيه هو ابعد الأشياء عن الحقيقة لأن اللغة العربية لم يصبها في أي عصر من عصور الركود ذلك الموت الذي أصاب اللاتينية ولأنها تكاد تكون بشكلها المصقول لغة الحديث العادي في الطبقات المستنيرة بالبلاد العربية ثم يقول عن الإسلام انه أي الإسلام لا يجوز اليوم نهضة ما، وإنما الشعوب الإسلامية هي التي تجوز مثل هذه النهضة، وان الشباب في جميع العالم الإسلامي يتأثر اشد التأثير بمبادئ مصطفى كمال وإصلاحاته، وأن مصر وسوريا والعراق وغيرها من الأمم الإسلامية ستسير في أثر مصطفى كمال وتنهج منهجه؛ والدكتور جرمانوس يخطئ في هذا الرأي اشد الخطأ فقد أدركت الشعوب الإسلامية منذ بعيد ما تنطوي عليه الحركة الكمالية من الزيف والزيغ والخصومة المضطرمة للإسلام والعالم الإسلامي؛ ولم تبق الحركة الكمالية عنواناً لغير تركيا التي أخرجت من عداد العالم الإسلامي؛ ونستطيع أن نؤكد للدكتور جرمانوس أن مصر لم تتأثر في يوم ما ولن تتأثر بمثل هذه الحركات الإلحادية المفرقة. أما أن العالم الإسلامي لا يجوز اليوم نهضة ما، فكل الدلائل المعنوية والمادية تنم بالعكس عن نهضة إسلامية بعيدة المدى، وهذه حقيقة يقررها كثيرون ممن هم ابعد نظراً واكثر خبرة بشؤون العالم الإسلامي من الدكتور جرمانوس.