وأخرج ماترلنك، بعد (الأميرة مالين) درامته المسماة: (بالدخيل وهي ذات فصل واحد، تجري حوادثها في بهو مظلم، من قصر قديم. أما أشخاصها فقلال: جد أعمى، وأب، وعم، وثلاث فتيات. كما رأيت أن أشخاص الأميرة (مالين) هما الملك والملكة. . . فالملكة تجن، والملك يموت. . . ولكنهما يخفيان وراء شخصيهما أمراً، ذلك أن الناس كلهم أمام تلك القوة الخفية التي تؤثر فينا متشابهون، سواء أنسبوا ذلك للمصادفة أو الحظ أو الشقاء أو الموت. . . لأن أشد الناس اختلافاً وتبايناً يصبحون متساوين متشابهين أمام العدم. . .
إذن فأشخاص الدرامة الثانية قليلون. وهاهم أولاء في غرفة يكاد مصباحها لا يضئ. . . يتكلمون وأصواتهم لا تسمع. . . يقطعون الليل قلقين مظطربين وفي غرفة مجاورة تنام تلك التي يقلقون عليها ويظطربون. . . تلك المرأة المشرفة على الموت. لقد كانت تجود بنفسها، في حين كان الأب والعم، والفتيات يطمئن بعضهم بعضاً:
- لقد تكلمت هذه الأمسية
- (إنها تنام نوماً عميقاً
- (هذه أول ليلة تشعر براحة فيها. . .
- (أحسب أن لنا الحق بالضحك أيضاً بلا خوف. . .)
ولكن الجد العجوز، لا يزول اظطرابه ولا قلقه؛ ولا يخفف من قلقه واظطرابه هذا الهراء الذي يسمعه، لأن عينيه لا تريان هذه المظاهر الخارجية التي تمنع الروح من الجولان، فهو متصل بالكون بروحه، يلتقط بها الأشياء ويدركها. هي كلاقطة المذياع. . . يعلم بها ما سيقع وسيكون. لا جرم أن لدينا جميعاً هذه اللاقطات، ولكنها تختلف في قوتها؛ فكلما كانت الروح قوية كان هذا الإدراك أو ذاك الشعور قوياً. ولكننا لا نفيد منها جميعاً. . . لأن بصرنا يقف عند ظاهر الأشياء. فالواقع الذي نشاهده يمحو الحق وهذه الفكرة ملازمة لآثار ماترلنك يعرضها ويفصلها ويشرحها. وإن ما نعتبره أدوات كشف وفهم كالبصر والنطق، لهي عاهات. . . فالأعمى في هذه الدرامة يرى ببصيرته، يرى ما لا يراه أولئك