تناول شعراء الموسم مختلف الأغراض، فلم يكن منها في صميم ما يحس به جمهور الشعب إحساساً عميقاً شاملاً غير هذه القصيدة، وقصيدة (وطني) للأستاذ محمد الههياوي، فلقد كانت هذه الصيحة التي أعلنها الأستاذ أحمد الزين حبيسة في نفوس الكثيرين، حتى لقد كانت زفرات الصعداء تقترن بتنفس الإعجاب، ولقد تناول الأستاذ جزئيات الموضوع في استقصاء وبيان لا يتأتيان لكاتب مطلق القلم من قيدي الوزن والقافية. استمع إليه يفند دعاوي العدل والمساواة والحضارة، في حجج بالغة:
لا يدعي العدل قوم في عدالتهم ... صرعى الكفايات تشكو ظلم أهليها
ولا المساواة، والأفهام لو وزنت ... مع الغباوة فيهم لا تساويها
ولا الحضارة من تجزي نوابغهم ... وحشية تسكن البيداء والتيها
والأستاذ الزين يأتي المعاني من أبوابها، ويتناول مفاتيحها تناولاً حسناً، ثم يجلوها في ألفاظ عذبة مونقة؛ يؤلف بين الشقائق، ويجمع بين الأشباه والنظائر، فلا تجد كلمة في غير موضعها، وإن ما يضطر إليه الشعراء من التقديم والتخير وغيرهما لا تجد له أثراً في شعره، وهذه قصيدة (صرعى الأغراض) التي نحن بصددها، اقرأ مطلعها:
هات المدام ولا تسمع لشانيها ... إن الزمان يصافي من يصافيها
هل تستطيع أن تلفظ كلمة وتقف؟ لا، لا بد أن يجري البيت كله على لسانك حتى لتشعر كأنه ليس مؤلفاً من كلمات ينفصل بعضها عن بعض
وفي الأبيات التالية تصوير يدل على المهارة الشعرية:
ملء المناصب منهومون قد جعلوا ... من دونها سد ذي القرنين يحميها
على مناعة ذاك السد تنفذه ... عصابة تتواصى في حواشيها