للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى قاسم أمين]

للأستاذ علي الجارم بك

ملَّ من وجدِه ومن فرطِ ما به ... وأراق الشرابَ من أكوابهْ

وإذا القلب أظمأته الأما ... نيَّ، فماذا يريده من شرابه؟

وإذا النفس لم تكن منبِتَ الأن ... سِ تناءى القريبُ من أسبابه

وأشدُّ الآلام أن تُلزمَ الثغ ... رَ ابتساماً والقلبُ رُهنُ اكتئابه

كلما اختال في الزمان شبابٌ ... عصفت ريحُه بَلدْن شبابه!

والنبوغ النبوغُ يمضي وتمضي ... كلُّ آمال قومِه في ركابه

غَرِدٌ، ما يكاد يصدح حتى ... يُسكتَ الدهرُ صوته بنُعابه

وحَبابٌ، إذا علا الماء ولى ... فاسأل الماَء: هل درى بحبابه؟

وسفين، ما شارف الشطّ حتى ... مزَّق اليمُّ دُسرَه بعبابه

بخل الدهرُ أن يطوِّل للعق ... ل فيجري إلى مدى آرابه

كلما سار خطوةً وقف المو ... ت فسدَّ الطريقَ عن طلابه

وابتداءُ الكمال في عمل العا ... مل بَدْءُ الشَكاة من أوصابه

ضلةً نكتم المَشيب فيبدو ... ضاحكاً ساخراً خلالَ خضابه

أين من يستطيع أن يرشد الدني ... ا، وسوطُ المنون في أعقابه؟

أيها الموت أمهل الكاتبَ المس ... كين يُرسلْ أنفاسه في كتابه

آه لو يشتري الزمان قريضي ... بسنين تمدُّ لي في حسابه!

ما حياتي، والكونُ بعدَ جهاد ... لم أزل واقفاً على أبوابه؟

تظمأ النفسُ في حياة هي الفق ... ر فترضى بنهلة من سرابه

أنا قلبي من الشباب، وجسمي ... أثخن الشيب رأسه بحرابه

أملٌ هذه الحياة! فهل يع ... ثر بي الموت دون وشك طلابه؟

كلما رمتُ لمحة من سناء ... هالني بعدُه وطول شِعابه

ما الذي تبتغي يدُ الدهر مّني ... ودمي لا يزال مِلَْء لعابه؟

دع يراعي يا دهر يملأ سمع الن ... يل من شدوه وعزفِ رَبابه

<<  <  ج:
ص:  >  >>