للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بعض ما يذكر]

بعد الزهاوي!

بقلم عبد الوهاب الأمين

أصبح (الزهاوي) الآن في رحمة التاريخ الذي لا يرحم! ودخلت (كان) الخالدة عليه، فليس يشار إليه إلا بها. وذهب في عالم الشعر والخيال، بعد أن كان بشعره مرآة للحوادث المهمة في حياته وحياة عصره

ولقد كان في حياته - وما أشد وقع (كان) هذه! - يتمتع بعطف شديد من طبقة الأدباء، بقدر ما كان مغضوباً عليه من الطبقات المتعصبة، ولقد يكون من المناسب أن أذكر الآن أنني كنت ممن نقدوا شعر (الزهاوي) بشدة، وقد ساقني إلى ذلك وقتئذ اختلاف عصري عن عصره بطبيعة الحال وبعد شقة التفاهم بين عاطفة شيخ من أدباء القرن التاسع عشر وميول شاب في القرن العشرين لم يطمئنه ويرضه أدب لا يعبر عن ميوله؛ وكنت في ذلك الحين أترقب التشجيعين المعنوي والأدبي بنقدي ذاك، فما راعني إلا ذلك اللوم والعتاب الذي فجأني من جماعة كثيرين كانوا مجمعين على أحقية النقد، غير أن ذلك لم يمنعهم من أن يقابلوه بشيء غير قليل من التذمر! حتى لقد بلغني أن أحد من كان بيدهم الأمر حينئذ أشار إلى رئيس تحرير الجريدة التي كنت أشتغل بها أن يطلب مني الكف عن نقد (الزهاوي)!

وكنت في ذلك الوقت اشتغل بالصحافة، فلم يسعني إلا النزول على ذلك الطلب، وكففت عن الكتابة في تلك الجريدة، غير أني تابعت نقده في غيرها!

لقد أوخذ (الزهاوي) على بعض عقائد له جاهر بها في حياته، وعرف له فيها كثير من الإغراق والتطرف، كما أنه كان يجد على تطرفه هذا كثيراً من المشجعين. وفي رأيي أن المؤرخ الذي سيكتب تاريخ حياة (الزهاوي) جدير به أن ينظر في هذا الأمر بدقة عند كتابته حياة الفقيد، فعلى فهم هذه الناحية من حياة (الزهاوي) يتوقف تقدير أدبه ومدى تأثيره، وما له وما عليه، فلقد كان فقيدنا متطرفاً بالرغم منه. إذ أن ما اعتوره من الأمراض العصبية والأمراض الجسدية المزمنة، جعله كذلك؛ ومن هنا يدرك القارئ أن رأيه في (اللذة والألم) الذي ناقشه فيه الأستاذ العقاد قبل سنين، لم يكن مجرد إغراق منه كان يقصده

<<  <  ج:
ص:  >  >>