للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - أبو هلال العسكري]

بين البلاغة والنقد

للأستاذ عبده عبد العزيز قلقيلة

نشأة النقد ونطوره إلى عهد أبي هلال

لابد للأثر الأدبي في نفوس الناس من صدى يتمثل في استجابة عواطفهم له وتجاوب أفكارهم معه؛ وقد يأخذ مظهر النفور منه والازورار عنه. ونتيجة هذا أو ذاك تلك الآراء والأحكام العامة بالحسن أو القبح، والجودة أو الرداءة. وقد وجد عند العرب منذ الجاهلية نقد أدبي بهذا المعنى لم تكن له أسس أو أصول مقررة، وإنما هو أحكام تقوم أكثر ما تقوم على التأثر والانفعال. حتى إذا كان القرن الأول الهجري اتسع أفق النقد وجنح إلى شيء من الدقة وحاول أن يحدد بعض خصائص الصياغة والمعاني؛ وما كاد هذا القرن ينتهي حتى ارتقى النقد ارتقاء محمودا، وكثرت مواطنه في البادية والحضر.

ثم يكون القرن الثاني فترى طائفتين لهما شأنهما في النقد هما: اللغويون والنحاة. من أمثال أبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، والأصمعي، وأبي عبيدة، والمفضل الضبي. وقد سلك هؤلاء لونا جديداً من النقد تشعبت بحوثه وتنوعت، وعرفت له مقاييس أصول، وابتدأت محاولات النقد المنهجي تظهر.

فهذا (محمد بن سلام الجمحي) الذي عاش في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث يؤلف كتابه (طبقات الشعراء) يتكلم فيه عن الشعر الموضوع، ويبرهن على وجود الوضع بأدلة عقلية ونقلية، ثم يخص إلى فكرته الرئيسية في الكتاب وهي الحديث عن الشعراء وتقسيمهم إلى طبقات، صادرا في تقسيمه هذا عن مبادئ عامة اتخذها أساسا للحكم عليهم هي: كصرة شعر الشاعر وتعدد أغراضه وجودته، متناولا في ثنايا ذلك بعض الظواهر الأدبية وتعليلها من مثل: أثر البيئة في لين اللسان أو غلظه، وفي رقة الشعر أو خشونته، ومن مثل: قلة الإنتاج الأدبي في بعض البيئات وكثرته في البعض الآخر.

أما القرن الثالث فقد كان خصبا حافلا بالرجال والأفكار، إذا انضمت فيه إلى الجداول العربية الأصيلة من التفكير جداول أخرى من المعارف الأجنبية، كان لها أثرها في تشعب

<<  <  ج:
ص:  >  >>