ما كنت أرغب في التعرض لهذا الموضوع، لو لم تنشر (الرسالة) الغراء بحوثاً ممتعة لمختلف الكتاب عن الحياة الأدبية في بلدانهم. لهذا رأيت من واجبي، وأنا بعيد عن شرق الأردن، أن أقدم للقراء الكرام صورة صادقة بقدر الإمكان عن الحياة الأدبية في شرق الأردن. أقول هذا وأنا أشعر بحروجة الموقف ودقته، إذ لا يخلو مثل هذا البحث من بعض الخطأ مهما توخى الباحث العدل والصدق في بحثه
لم تكن بلاد ما وراء الأردن، منذ خمسة عشر عاما، إلا جزءاً من سورية لا ينفصل، فهي لذلك بلاد فتية في تكوينها السياسي وفي نهضتها الأدبية والاجتماعية. أما والمقصود من هذا المقال النهضة الأدبية، فلنقتصر على هذه، تاركين البحث في السياسة والاجتماع لعلمائهما
دبت في شرق الأردن حياة أدبية جديدة، لم يكن لنا عهد بها قبل بزوغ فجر الإمارة. فكان أول عمل قامت به الحكومة فتح المدارس الأميرية، من قروية وابتدائية وثانوية، وتحسين برامج التعليم، وتوحيدها إلى حد ما، في مختلف المدارس الطائفية وغير الطائفية، حتى أصبحت تنهج جميعاً نهجاً واحداً سوياً نحو إيقاظ الروح العربية الكامنة، والتوفيق بينها وبين التيارات الجارفة التي بدأت تطغي على هذه البلاد من الغرب. كانت شرق الأردن بحكم الوضع السياسي والجغرافي، قبل الحرب العظمى، بلداً مجهولاً، ولانزوائه وانقطاعه عن البلدان العربية المجاورة لم يتسن لأهله الاحتكاك بأهل الأقطار الأخرى كل الاحتكاك، فتمتزج بذلك الثقافات، ولو كانت شبه متجانسة، فتتفاعل ويتولد عن ذلك روح ويقظة جديدتان. كانت الحياة الأدبية قبل ذلك راكدة، والنفوس فاترة، والمواهب كامنة؛ فلم تنبعث إلا بتأليف حكومة سمو الأمير المعظم؛ عندئذ دخلت البلاد فئة راقية من أدباء الأقطار المجاورة، وخاصة سورية؛ فكان دخول هذه الفئة البلاد باعثاً كبيراً على إحياء الأدب العربي، وإحداث نهضة فكرية مباركة لا نكون مبالغين إذا سميناها بالرنسانس؛ فكان مثلاً لقصائد الشيخ فؤاد باشا الخطيب شاعر الثورة، والأستاذ محمد الشريقي وغيرهما من الأدباء الذين رافقوا الثورة العربية، وطوّحت بهم الأقدار إلى هذا القطر الجديد، أثر لا