الشاعر الناثر الأستاذ محمد عبد الغني حسن في مقالته اللطيفة (الخطابة بين الحرب والسياسة) في الرسالة (٥٢١) ص (٥١٠) يشير إلى قصة (وفود العرب على كسرى) ويستشهد بكلام للحارث بن ظالم دليلاً على حذق الخطيب وسرعة خاطره. ولا ريب في أن الأستاذ قدر في نفسه صحة الحكاية. والحق - والحقيقة إن ساءت سرت - أن هذا الخبر الذي أورده ابن عبد ربه في (العقد) وصاحب (تحفة الإخلاء في كتابه أسطورة مصوغة. وقد كان هذا الضعيف أول من عالن بصوغ الخبر فقال سنة (١٣٤٣):
(. . . وإن كتب العلم لتنبئنا بأن الرواة كانوا يتقربون إلى الخلفاء والسلاطين والنبهاء في الدولة برواياتهم، فكانوا يضعون الأحاديث، ويختلقون ما لم يكن ابتغاء خير يأملونه عند من يحملون سلعتهم الأدبية إليه أو أجل تبريزهم على أقرانهم برواية قول أو شعر استبدوا هم بمعرفته. وربما صاغ العلماء والأدباء الحديث لينصروا مقالة لهم أو نحلة. . . وعُدَّ من الموضوع أيضاً مقالة النعمان في النضح عن أحساب العرب وكلام الذين أوفدهم ابن ماء السماء إلى سلطان فارس فإنه مزور مختلق لم يقله النعمان ولا جماعته ولن يستجرئوا على مثله، ولن يجوز العقل أن يقعد ابن الأكاسرة لاستماع ثرثرة كل مهذار نفاج ويفرغ لشهود عجرفة المتعجرف وعنجهيته. ومن الموضوع أيضاً كلام وفود قريش على سيف بن ذي يزن، وحديث عبد المطلب بن هاشم، وحديث عبد المسيح بن نفيلة مع خاله سطيح، وحديث خنافر الحميري مع رَئِيه شُصار فإن هذه الأحاديث أعرق قول في الاختلاق. والدليل على ذلك علمي عقلي فليرجع إلى كتاب العقد والأمالي من أحب وليتأمل ذلك بعين العقل، ولا يسألنا سرد الأدلة فالموقف حرج، واللبيب تكفيه اللمحة الدالة، و (من لا يعرف الوحي (الإشارة) أحمق)
ثم جاء عالم من علماء القاهرة مشهور فأيد في مصنف له القول في اختلاق تلك الحكاية، حكاية الوفود، ولن يضير - إن شاء الله تعالى - تلك الأخبار من الوجهة اللغوية والأدبية ضائر. ومما يسر أنها لفقت والعربية بليغة فصيحة صحيحة قوية. وإن خيل أن أولئك الصواغين أو الصياغين قد أحفظوا طلاب الحقائق التاريخية بما وضعوا، فقد أحسنوا بما