(منذ عام حطمت أقلامي التي كنت ألقى بها الناس، وعشت
بين أحزاني وأصدقائي. . . هذه تغزوني وأولئك يعزونني. .
. واليوم أفيق على نحيب الذكرى ولوعة المصاب. وتختلط
علي الصور والأشياء. . . فإلى الروح التي تسبح في أعلى
عليين. . . إلى روح خالي الذي علمني وأدبني. . . هذه
النفحات).
- ١ -
حين جزت ضفة النيل. . . من هذه الخضرة الخضراء والبساتين الممروعة إلى الضفة الأخرى التي تستريح على راعها الرمال الصفراء وتخفق على جنباتها الأمواج الزرق في (رأس البر) كنت في مثل ذهول المأخوذ وغيبوبة المنتشي. . . كانت الساعة قرابة السادسة، والشمس تميل عن سمائها التي عاشت فيها، وتنحدر في شيء من البطئ وفي كثير من الأسى نحو الأفق البعيد الذي يبسط لها جناحان من ضباب ونور.
ولم يكن في وسع الإنسان، إذ يتجرد من كل ما حوله من حركة الناس، أن يدرك أكانت تلك ساعة من ساعات الصباح الفتي أو لحظة من لحظات المساء المتداعي. . . فقد كانت هذه الأستار العريضة التي تلقيها السماء هنا وهناك علامة من علامات الظلمة، وكانت الشعاعات الرضية التي تند عن الشمس شارة من شارات النور. . . كان هناك هذا المزيج الذي يغشى بعضه بعضا من الليل والنهار، وهذا الخليط المتشابك من الأخلاط والضباب، وكان في ذلك كله تناسق أصيل محبب.
- ٢ -
وألقيت أقدامي في الطريق إلى البحر. . . وأدرت ظهري إلى الشارع الذي يطفح بالناس