يا عجباً! أفيكون شيطان الكبر قد ركبه لأنه تدرَّج في مناصب الجيش العليا في سرعة فأخذت نفسه تهوى إلى أسفل كلما سما منصبه إلى أعلى؟
وضاق صدر الزوجة على رحابته، ونفذ صبرها على سعته. . . فجاء حكم من أهلها وحكم من أهله، فما استطاعا أن يصلحا ذات البين، واتفق الزوجان - بعد لأى - على الطلاق!
وخيل للزوجة أنها تهرب من سجن أرغمت على البقاء فيه سنوات، فهبت تعد حاجاتها في نشاط، وتلم شعثها في جد، وإن قلبها ليضطرب اضطراباً شديداً كلما تراءى لها أن أبنيها سيعيشان في كنف هذا الشيطان الفظ، وإن كلبها ليتبعها في خضوع ويتمسح بها في ذلة. . . ثم انطلقت صوب الباب فاندفع الكلب على أثرها، ولكنها صفقت الباب من دونه لتحول بينها وبين كلب هذا الرجل. . . الرجل الجاثم في ركن تجذبه خواطره الأرضية إلى أسفل، فلا ينبض قلبه بعاطفة ولا تخفق أفكاره بنسمة روحانية.
وأحس الكلب بسليقته الحيوانية أن سيدته قد خرجت من هذه الدار ولن تعود أبداً، فانطلق إلى الطنف يريد أن يودعها الواع الأخير. يا لله! أفأصيب الكلب بمس من الجنون فراح يذرع الطنف في سرعة، ينظر إلى الشارع من هنا ومن هناك وهو ينبح نباحاً عالياً فيه الشجو والبكاء؟ ولذَّ للسيدة أن تستمتع بقلق الكلب وحيرته، فوقفت حيناً تشير إليه وتناديه وهي تبسم، ثم همت أن تركب سيارة أبيها وهي تنتظرها لدى الباب، فما راعها إلا الكلب وهو يقذف بنفسه بين يديها.
ووقع الكلب فانكسرت رجله، ولكنه - برغم ما يقاسي من ألم - اندفع صوب سيدته وهو ينبح نباحاً فيه الشجو والبكاء، اندفع ليدفن نفسه في حجرها.
وطفرت من عيني السيدة عبرة. . . عبرة واحدة. . لأن كلباً حفظ عهد الود ورعى حق الوفاء على حين لم يفعل الرجل.
آه، يا صاحبي، إن في الناس رجالاً لو انشق عنهم ثوب الإنسان لتراءت من ثناياه صورة خنزير أو حمار او. . .