للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أقصوصة من جبرييل دانونزيو

سنسناتوس

مأساة عاشق مخبول

للأستاذ دريني خشبة

كان يتثنى كأنه غصن بان؛ وكان نحيلاً معروقاً في غير طول، وله لبدة تتهدل كغابة من أشجار الكستناء فوق كاهله وكتفيه، ثم تتحوى ذوائبها وتغدودن حين يعبث بها الهواء، فتكون كعرف الفرس. أما لحيته. . . فيهودية كثة مغبرة، غير محلقة، تعلق بها دائماً نثائر من القش. . . أما عيناه فسادرتان ترنوان أبداً إلى قدميه الحافيتين! فإذا حدث أن رفعهما إلى أحد فإنهما تقذفان في قلبه الذعر، بما ركب فيهما من ألغاز وأسرار. . . فهما تارة تشفان عن بله، وتنمان عن عته؛ وتارة أخرى تتأججان بنيران حامية كنيران الحمى. . . ثم تنطفئان بغتة، فتراهما حائلتين آسنتين كمياه المستنقع. . . فإذا لمح بهما خطفتا كسيوف طليطلة!

وكانت له (جاكتة) حمراء يلقيها على كتف واحد كما يلتفع الأسبان عباءاتهم في كبرياء وزهو، فكان إذا مشى بَدَح في عظمة وجلال

ويدعوه الناس سِنْسناتوس، ويقولون إن به لوثة أصابته إثر حب خانه فيه محبوبه، فلم يملك إلا أن يطعنه، ويمضي على وجهه في الأرض حيران

وكانت سنه عندما عرفته ستا وسبعين، بينما كنت أنا في الثالثة عشرة. . . وقد رأيته فخلبني. . . وكان اليوم قائظاً، والماء يغمر الميدان، والأرصفة تتقد بحر الشمس، ولم يكن ثمة مخلوق غير كلاب قليلة سائبة. . . ولا صوت إلا جعجعة الطاحونة القريبة

وكنت لا أمل أن أقف نصف ساعة ألاحظ سنسناتوس من وراء ستار النافذة، وهو يمشي متثاقلاً مختالاً، وقد اشتد قيظ الظهيرة؛ وكان يدلف أحياناً نحو الكلاب في هدوء ومهل حتى إذا ظن أنها أمنته، التقط حجراً وحذفها به ثم اعتدل وولاها دبره، كأنما يوهمها أنه لم يمسها بأذى. . . وقد تجتمع الكلاب حوله فلا تنفك تبصبص بأذنابها. . . ويفتر هو باسماً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>