أسلفنا القول في بيان أثر الخرافة في تثبيت دعائم الحكومة والملكية الشخصية والزواج. وها نحن أولاء نشرح ما غرسته في النفوس من تقديس للإنسان واحترام لحياته! وبذا نكون قد أتممنا سلسلة النظم الاجتماعية التي شاء فريزر أن يبين مقدار تدخل الخرافة في نشأتها وتكوينها
بديهي أن معيشة البادية المبنية على حب الانتقام، والأخذ بالثأر، وحماية الجار، والدفاع المستميت عن المال والعرض، والمملوءة بالأضغان والأحقاد أدعى لإراقة الدماء واعتداء المرء على أخيه. فالإنسان الأول الذي عاش هذه العيشة المضطربة ما كان ينعم بضمانات كافية لحفظ روحه. فلم يكن له عسس منظم يسهر على حراسته، ولا قانون واضح يهدد بالعقوبة كل من اعتدى عليه، ولا محاكم محترمة تشهر بالجناة وسفاكي الدماء. ولا زلنا نشاهد إلى اليوم أن القتل وإزهاق الأرواح البريئة ينتشر حيث تسود الفوضى والاضطراب وفي الأوساط البدوية والقبائل الهمجية بوجه خاص. بيد أن الجمعية تعالج نفسها بنفسها وتعد لكل داء ما يناسبه من دواء. ولئن فات الإنسان المتوحش شرطتنا المنظمة، وجندنا الشاكي السلاح فانه لم تفته وسائل أخرى من وسائل الدفاع عن نفسه وحقن دمه. ومن بين هذه الوسائل خرافة الأشباح وأرواح الموتى التي تتمثل في صورة شياطين ومردة تنتقم ممن اعتدى عليها
قد لا تكون هناك خرافة سادت العالم سيادة هذه الخرافة. ظهرت مع الإنسان منذ نشأته، ولازمته في مراحل التاريخ المختلفة: تبدو في العصور القديمة والقرون الوسطى والأزمنة الحديثة، بين البدو والهمج ولدى الأمم المتمدينة. ويكفي أن نشير إلى أن كثيرين منا لا يجرؤن على السير ليلا - بل نهاراً - بجوار دار قتل فيها قتيل زعماً منهم بأن روحه الثائرة ستفتك بهم. وعل عادة تغيير المسكن السائدة بيننا على أثر حريق أو وفاة مما ترجع