لما وثب الألمان تلك الوثبة، فطحنوا جيوشاً، ودّوخوا ممالك، وطمسوا في مصور أورّبة حدوداً ومحوا دولا، وأخذتهم العزة بالإثم والعدوان فقال فرعونهم: أنا ربكم الأعلى!. . .
وقام من بعدهم اليابان فقفزوا كالجنّ على جزر المحيط، وحازوا أطراف المشرق، وتمَّ ذلك في اللمحة الخاطفة كأنه حلم نائم أو كأنه سحر ساحر. . .
. . . أذاع مذيع (عربي. . .) من محطة لست اسّميها، يمجد هذا النصر، ويفرغ فيه كل ما يملأ رأس الضعيف من الإعجاب ببطولة القوىّ، وكان مما وسوس له به شيطانه أن قال:(هذا هو الفتح، لا فتوحاتنا التي لم نملَّ من الفخر بها وقد مضى عليها ألف وثلاثمائة سنة)!
وقالوا: رد عليه، وَضعْ في فمه حجراً. قلت: لا! إنه لم َيئنِ أوان الردّ عليه، فانتظروا، فأنها ستردّ عليه الأيام.
وها هي ذي الأيام قد قالت فأبلغت، وردّت فأفحمت، ولكن أين ذلك المذيع ليستمع ويفكر، فيرى فتوح هتلر كفتوح تيمورلنك، عاصفة عاتية مدمرة، تهب على الكون فتقتلع الأشجار، وتهدم البنى، وتدحرج الصخور، ثم تضعف العاصفة وتضمحل، ولا تدع وراءها إلا الموت والخراب والفوضى! وما أسهل الهدم، وما أهون القتل! إن كلباً عقوراً يقتل أعظم نابغة في الدنيا. وأكبر عالم في الأرض لا يستطيع أن يخلق ذبابة. والبناء الفخم الذي ينشئه مائة مهندس بارع، يهدمه اللص بقنبلة واحدة، أو يحرقه بعود كبريت. . . والسفينة المدرعة العظيمة التي يجتمع على إنشائها الآلاف، ويمضي العمر، يغرقها مجنون في ساعة. . . كذلك كان فتح تيمورلنك وهتلر. . . وأين اليوم هتلر وتيمور ومن كان بينهما من فاتحين وغزاة مظفرين؟ وأين من كان قبلهما؟ لقد طواهم الزمان، فلم يبقى منهم إلا قبور تحتها رفات رميم، أو صحائف فيها مجد ميت، وربما أغرقهم النسيان في لجته، فلم يمنحهم قبرا على الأرض، ولا ذكراً في التاريخ. . . وكذلك الفتوح التي تفخر بها الأمم، ويشغل بها الطلاب في المدارس، كلها فتوح قوة وتغلب، فإذا ضعف القوىّ، أو قوي الضعيف، عاد الغالب مغلوباً، والمغلوب غالبا.