جاهد آدم نفسه في حدود ما يطيق. . . وماذا يطيق المرء وهو يجاهد النفس في أهواء تسوقها امراة؟ سينتهي أمره إلى الهزيمة، إلا أن تؤيده قوة ربانية تصرف عنه السوء وترده إلى الاعتصام بالعقل. ولحكمة يعلمها الله ضعف آدم عن مقاومة حواء، ودعاها إلى التلاقي تحت شجرة التين
وهنا يذكر شيث في كتابه أن حواء تلكأت في الاستجابة لذلك الدعاء، ولزمت مكانها تحت شجرة الطلح، كأنها تريد أن تحمله على الإلحاح فيكون البادئ بالعصيان
ولو تأمل شيث قليلاً لذكر تعليلاً غير هذا التعليل، فالرأي عندي أن حواء توهمت أن لآدم رغبة في شجرة التين، وإن تمنعه لم يكن عن صدق، وإنما كان يريد أن يحملها تبعة العصيان
والحوادث تؤيد هذا الافتراض، فما كاد آدم يخبر حواء بأنه سيسايرها فيما تريد حتى فترت رغبتها في قرب الشجرة المحرمة، وأعلنت اكتفاءها بما احل الله من طيبات الفردوس
فما معنى ذلك؟ وما مغزاه؟
معناه أن حواء تحب أن تسلك في جانب يغاير ما يسلك آدم من الجوانب، فقد أحبت حواء التين حين ثار آدم عليه، ثم زهدت فيه حين رأته من هواه، وإلا فكيف جاز أن يدعوها فلا تجيب وهي التي قهرته قهرا على أن يذعن لما تريد من قرب شجرة التين؟
وابتسم آدم حين رأى حواء تهدأ بعد ثورة وتلين بعد شماس، ثم حمد الله على انحسار الغمة وانجلاء الضيق، واخذ في الاستغفار من الذنب الذي اقترف. فقد حدثه الضمير بأنه أذنب بالفعل، وإن لم يذق الثمر الممنوع، لأن نية السوء لا تقل بشاعة عن السوء في نظر الأخلاق، وكان آدم يعرف أنه يعامل الله، والله يحاسب على النيات بأقسى مما يحاسب على الأقوال والأفعال، لأنه يحب لعباده أدب الملوك لا أدب العبيد
ثم نظر آدم فلم ير حواء، فأين ذهبت؟
فتش عنها في غياضٍ كثيرة، وسال عنها أسراباً من الطير والظباء فلم يظفر بجواب، فأين