ذهبت؟ وكيف ضاعت؟ وما السبيل إلى مكانها في الجنة الفيحاء؟
أتكون غضبت من طاعة آدم وكانت تحب أن يتمرد؟
لقد خطر لآدم هذا الخاطر، فقد علمته التجارب أن حواء لا تتمتع بالصحوة الجسدية والروحية إلا في أوقات الخلاف. وهل ذاق آدم حلاوة حواء إلا في لحظات الثورة على الأوامر الربانية؟
أمر هذه المخلوقة أعجب من العجب، فهي لا تحلو ولا تطيب إلا عند النضال، وهي تفقد كل قيمتها حين تتناول شؤون الحب في طاعة مجردة من الإحساس، كالطاعة التي تصدر عن فتاة لم تبلغ سن الكيد، وكيد المرأة إثم جميل!
فكر آدم طويلا في غيبة حواء، وانزعج حين خطر له أن تكون حرمت الثورة على ما ترى وما تسمع، وأنها لذلك سكنت العزلة في جنينة مهجورة يسقيها نهير مجهول من رواضع الكوثر وهي رواضع تعد بالألوف
وعاد آدم لنفسه ليعرف حاله في غيبة حواء، فصح عنده بعد التأمل أن العبادة الصحيحة لا تكون إلا بالجهاد، ولا جهاد بدون أهواء
يجب أن يكون في الوجود حرام وحلال، لنشعر بالذاتية في قرب هذا واجتناب ذاك، وإلا صرنا خلائق تواجه الوجود بلا اكتراث، وإذا انعدم الاكتراث فقد انعدمت الأخلاق. وقد يكون العصيان عن نية افضل من الطاعة بلا إحساس، لأن المهم أن ندان حين عصي، ونثاب حين نطيع، ولا يتم ذلك بغير النية الواضحة فيما نباشر من مختلف الأعمال.
أتكون حواء ترهبت فلاذت بأحد الكهوف؟
ذلك ما خاف آدم أن يكون، فالترهب نذير الموت، وهو يكره لحواء أن تموت.
وكيف يعيش آدم إذا غفا كيد حواء؟
لقد أبدعته إبداعاً وإنشائه إنشاءً، حين تولت إضرام الجمر المكنون في قلبه الوسنان، وآدم رجل، والرجل يحفظ الجميل.
ومر حين وأحيان وأحايين وحواء لا تعود.
وشعر آدم بانعدام أسباب الثورة والهدوء فأيقن بقرب الفناء
وما حياة الرجل إذا خلت من الأحلام والحقائق والأباطيل؟