الغزالي حجة الإسلام وزين الدين ومن أكبر أعلام الفكر الذين يعتز بهم الإسلام ويفخر. ظهر في القرن الخامس للهجرة في عصر سادت فيه آراء الشك والاختلافات وعمت أوساطه الفوضى في المعتقدات والمذاهب. وكان لهذا أثر على حياة الغزالي كما كان لنشأته الصوفية والروحية أثر كبير عليها. فنزع إلى الانتصار للدين وسلك في ذلك مسلكاً جديداً لم يسلكه أحد من قبله، حتى قال (رينان): (إن الغزالي هو الوحيد بين الفلاسفة المسلمين الذي انتهج لنفسه طريقاً خاصاً في التفكير. . .).
واجه الغزالي في أول حياته مذاهب مختلفة من كلام وباطنية وفلسفة وتصوف وساورته نزعات التشكيك والتحليل المنطقي، واحتار في أمره ولم يدر أيها يتبع. وقد لجأ إلى دراسة هذه المذاهب واختبار حسناتها وسيئاتها رائدة في ذلك الوصول إلى الحقيقة التي تروي النفس وتنير العقل، فخاض بحار التفكير وتوغل في كل مظلمة واقتحم كل مشكلة وورطة، وتفحص الفرق والعقائد ليميز بين محق ومبطل ومتسنن ومبتدع. درس الفلسفة ليقف على كنهها، ودرس علم الكلام ليطلع على غايات المتكلمين ومحاولاتهم، ودرس الصوفية ليعثر على سرها. وكان في دراساته واسع الصدر سما بتفكيره وحلق، وقد أدرك أنه لا يمكن للمحقق أو الباحث عن الحقيقة المتعطش لها أن يستوعب سلبها بغير الجمع بين سائر مظاهرها مما يقال للشيء أو عليه.
إن هذه الطريق الذي سار عليه الغزالي يدلل على قوة شخصيته وعلى إيمانه بنفسه وثقته بمواهبه ومزاياه مما ساعده في الانتصار على خصومه وعلى الفلسفة.
والغزالي يمتاز على غيره من علماء الكلام في كونه قرب الدين من العقل الاعتيادي وكشف دقائقه أمام أذهان العامة، في حين أن الكثيرين من الفقهاء، ورجال الدين في عصره والعصور التي سبقته ساروا في تفكيرهم على أساس من الغموض وفي بحار من المعميات والأسرار، وذلك مخافة على شخصياتهم من بروزها على حقيقتها ضعيفة واهية، وخشية من نفوذهم أن يتلاشى إذا وضحت الأمور وزال الغموض.
والغزالي حين قرب الدين لم ينزل به، بل استطاع بما أوتى من قوة العارضة وصفاء