للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التطور الاجتماعي بعد الحرب]

للأستاذ عبد القادر المغربي

إن اهتمام المفكرين في نتائج هذه الحرب وما تتركه وراءها من أثر في شؤون البشر قد تجاوز كل حد، وأصبح لا يقل عن اهتمامهم بأخبار وقائعها وأهوال ملامحها ولهم الحق في ذلك: لأن الحرب مهما طالت ظل متقلص وسحاب متقشع، أما نتائجها وما تتركه وراءها فهو على ما يظهر حكم مبرم باق إلى ما شاء الله.

وقد انتشر من جراء ذلك الذعر في قلوب قادة الأمم وكبار زعمائها، وأوجس كل منهم خيفة على مستقبل بلده وأوضاع وطنه.

وليس الشأن في هذا، وإنما الشأن في التطورات الاجتماعية التي سوف تقلب عادات الأمم وأخلاقها وقوانين حياتها رأساً على عقب، حتى زعموا أن التطور الاجتماعي سيشمل كل ما تقع عليه العين من مادة أو تحس به النفس من معنى - فالعالم بعد الحرب عالم آخر ينبغي أن يسمى منذ الآن (عالم ما بعد الحرب) - وحتى خشي الحريصون على أديانهم وتقاليدهم وآخرون على قومياتهم ولغاتهم، أن يعمل ناموس التطور عمله في تلك الأديان وهذه اللغات فيأخذ بهما ذات اليمين أو ذات الشمال.

نعم إن العقلية السياسية الديمقراطية التي تسيطر على البشر بعد هذه الحرب ستضمن للبشر سلماً دائماً يغمرهم، وأنظمة دولية ثابتة تصون استقلالهم وتحمي حدودهم وتنتزع العدوان الديكتاتوري من بينهم.

أجل قد يكون هذا كله، ولكن السلم الدائم المضمون شيء والتطور الاجتماعي المتوثب شيء آخر.

التطور الاجتماعي لا تقف في وجهه حدود ولا تصده حرس ولا إغلاق، هل سمعتم بالمظليات الجوية قط؟ وهكذا هبوط التطورات الاجتماعية.

العقلية السياسية المسيطرة تقدر على وقاية الإنسانية من كل شئ إلا شيئاً واحداً: هو سلطان التطور الاجتماعي وما يحمله على كفه من المبادئ الاشتراكية والنزعات المتطرفة.

التطور الاجتماعي ناموس طبيعي قوي الشكيمة ماضي العزيمة، ولم يكفه هذا حتى تقوم (الحريات الأربع) تحميه من ورائه وتنهض الدعاية بسحر دسائسها تمهد له من أمامه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>