نشرت الأهرام منذ خمسين سنة ما يلي:(ارتأى فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده، بعد أن درس (بروغرامات) تعليم الأزهر وغيرها من (بروغرامات) الدروس، إدخال تعديلات كثيرة على (بروغرام) الأزهر، فقدم تقريرا بذلك، وضمنه (البروغرام) الواجب التدريس بمقتضاه، ومن أحكامه إدخال جميع العلوم، من كيمياء وفلسفة وهندسة وغيرها، ورفع هذا التقرير إلى السدة الخديوية، فأحالته إلى لجنة العلماء المؤلفة من ثلاثين إماماً من الأزهر الأفاضل، فاجتمعت هذه اللجنة برياسة حضرة المفتي، لأن سماحة العلامة المفضال شيخ الأزهر الرئيس الشرعي لهذه اللجنة ترك رياسة هذه الجلسة لفضيلة الشيخ محمد عبده، ليكون أطلق يدا في تأييد مبادئه الجديدة المعارض لها شيخ الأزهر)
كان ذلك منذ خمسين سنة، وكانت تلك أول خطوة نحو إخراج الأزهر من عزلته ليساير ثقافة العصر الحديث. أدخلت العلوم الحديثة إلى الأزهر منذ ذلك الحين، وقد تحايل المصلحون إذ ذاك على جذب الطلبة إليها بمختلف الوسائل، فألفوا فيها ودرسوها على الطريقة الأزهرية القديمة، فكانوا مثلا يعرفون مصطلحات علم الحساب كالجمع والطرح ويخرجون محترزات التعريف فالجمع هو ضم عددين أو أكثر من جنس واحد لينتج ناتج يسمى حاصل الجمع، و (الأس) هو عدد صغير يوضع فوق عدد آخر للدلالة على حاصل ضربه في نفسه مرة أو أكثر. . . وهكذا. وقد نظم بعض الطلبة مسائل الجغرافيا ليسهل عليه حفظها كما يحفظ المتون المنظومة، ومن ذلك قول الناظم:
أفريقيا يا عالما بالحال ... تحد بالبحر من الشمال
وتعاقب أساتذة العلوم الحديثة في الأزهر، حتى كان عهد المغفور له الشيخ المراغي الذي نقل الطلبة من المسجد إلى أبنية مدرسية، وجعل برامج دراسة العلوم الحديثة مطابقة لبرامج المدارس الابتدائية والثانوية، واحضر لتدريسها نفس أساتذة هذه المدارس، وأدخل كذلك على مناهج الدراسة في الكليات ما يناسبها من الدراسات العصرية وندب لتدريسها أساتذة من الجامعة وبعض المدارس العالية.