أسفرت المعارك التي نشبت في الأسبوعين الأخيرين في هضاب عسير وتهامة بين القوات السعودية والقوات اليمانية عن نتائج خطيرة حاسمة فيما يظهر؛ فقد استطاعت القوات السعودية أن تتوغل في نجران وفي عسير بسرعة مدهشة، وأن تستولي على منطقة واسعة في شمال اليمن تشمل عسيراً ونجران وجميع الجهات والمواقع التي كانت موضع النزاع بين البلدين، وأن تتقدم بعد ذلك في أراضي اليمن ذاتها بحذاء البحر الأحمر حتى ثغر الحديدة، وهو أهم الثغور اليمانية، وأن تستولي عليه بعد أن فرت منه قوات الإمام التي كان يقودها ولده وولى عهده سيف الإسلام. وقد كنا نؤمل حين كتبنا مقالنا الأول عن هذه الحرب التي تضطرم بها الجزيرة العربية، أن يكون لصوت العالم العربي والإسلامي أثره في تدارك هذا الخلاف الخطر، وفي وقف المعارك قبل استفحالها. وقد رفع العالم الإسلامي صوته قوياً بمناشدة الزعيمين أن يتذرعا بالروية والحسنى في حسم النزاع القائم بينهما، وسافر إلى مكة وفد عربي إسلامي يمثل عدة من الأمم العربية لتحقيق هذا المسعى. ولكن الظاهر أن سير الحوادث لم يفسح مجالاً للتفاهم الحسن بين الملكين؛ وقد كان جلالة ابن السعود يشترط لوقف القتال شروطاً يراها لازمة لسلامة حدوده وسلام مملكته، وهي جلاء القوات اليمانية عن نجران ومواقعها الجبلية، وإطلاق الرهائن، وتسليم الأدارسة؛ ولكن سيادة الإمام يحيى لبث حيناً يتردد بين القبول والاعتراض؛ وحدث في تلك الفترة أيضاً أن تقدمت القوات اليمانية في نجران وعسير واحتلت مواقع جديدة؛ وأيقن ابنالسعود بعد طول المكاتبة والمفاوضة أن الإمام لا يريد اتفاقاً ولا يسلم بشيء من مطالبه. ويبدو من مراجعة الكتاب الرسمي الأخضر الذي أذاعته الحكومة السعودية عن سير المفاوضات والمكاتبات بين الملكين أن ابن السعود تذرع بكثير من الروية والأناة في محاولة إقناع الإمام باحترام المعاهدات المعقودة والحالة الواقعة. وتدل وثائق الكتاب الأخضر أيضاً على أن عوامل التحريض كانت تعمل عملها في عسير ونجران لدفع قبائلهما إلى الثورة على عمال الحكومة السعودية وأصدقائها. إزاء هذه العوامل والظروف لم ير ابن السعود بداً من