إذا كانت اللغات من ألوان الفكرية الصريحة التي يتسم بها الإنسان وتميزه من سائر الكائنات الحية، فان الأسماء - أو ما يعبر عنه الصرفيون بأنه ما دل على معنى في نفسه غير مقترن وضعاً بأحد الأزمنة الثلاثة المعروفة - من وظاهر بيئاته الاجتماعية والطبيعية. فلسنا نبالغ إذن إذا بأن لعنصر الأسماء في اللغات فلسفة خاصة مستقلة، استطاع العلم الحديث مؤخراً أن يقتبسها ويستزيد منها بل يستغلها استغلالاً بالغاً يستحق عليه كل ثناء وإعجاب وإكبار. ومن الحق علينا القول بأن أقطاب اللغات في العالم لا يتفقون على أقدمية الأسماء وأسبقيتها في اللغة، فمنهم من يذهب إلى أنها أسبق مرتبة في الوضع والاستعمال من الحروف والأفعال، لأن منزلتها في النفس من حيث القوة والاعتقاد أن تكون قبل الفعل، والفعل قبل الحرف، ومنهم من يذهب - وهؤلاء معظمهم من أصحاب التوقيت ودعاة الإلهام - إلى أن جميع الأصول اللغوية إنما وقع الوضع فيها معاً فلا يجوز لك الاعتقاد بسبق الاسم على الفعل أو سبق الفعل على الحرف.
ومهما يكن من شيء فان بعض الأسماء - أعني أسماء الأعلام والأجناس بوجه خاص - تمتاز على سائر الأصول اللغوية بأنها وضعت للدلالة على الأشياء المحيطة بالإنسان في بيئتيه الطبيعية ولاجتماعية، وما عساه ينجم عنهما في حياته الفكرية، بعكس الحروف والأفعال - مثلاً - التي إنما وضعت لتدخيل بها (الأسماء في المعاني والأحوال)، أو بعبارة أخرى لتربط ما بين الأسماء في جمل مستقلة بدلالاتها اللفظية.
ومعنى ذلك أنه يتعذر على الإنسان مثلاً أن يستدل بالأفعال والحروف العربية على نوع الحياة الطبيعية والاجتماعية التي كان يحياها العرب قبل الإسلام، إن لم يكن ذلك مستحيلاً عليه، في حين أن استدلاله بالأسماء يكاد يكون في حكم الواجب الذي لا عدول عنه، لأنها تعكس لنا ألوانهً من البيئات المتنوعة التي كان العربي عرضة لها آنئذ، كأسماء الكائنات الحية وغير الحية التي كان على اتصال بها، وأنواع الأسلحة التي كان يستعملها في حروبه وغاراته، والموازين والأثقال التي كان يصطنعها في بيعه وشرائه ونحوه. كما أنها تعكس لنا أيضاً شيئاً من أثر البيئة الطبيعية في نفسه وإحساساته، ففي ميسورك مثلاً أن