أتحدث اليوم عن علاقة مصر بالأقاليم الجنوبية واهتمام المصريين بالحدود المصرية الجنوبية منذ بدء التاريخ إلى اليوم فأقول:
أول من أهتم بالجهات التي تتاخم حدود مصر الجنوبية هو الملك بيبي الأول ثاني ملوك الأسرة السادسة فأرسل القائد أونا إلى كروسكو ليجمع بعض أنواع الأخشاب فساعده قبائل تلك الجهات على أداء مهمته واعترفوا بسيطرة الملك بيبي عليهم. ثم أرسل الملك متوسوفيس (وهو الملك الثاني عشر من الملوك الأسرة السادسة) القائد هرخف لغزو بلاد بنت فعاد يحمل البخور والآبنوس والعاج والجلود حملها على ثلثمائة حمار وحمل معه قزماً من الدنقس أتى به من (بر الأظلال). فلما وصل مصر كان الملك متوسوفيس قد مات وخلفه أخوه الملك بيبي الثاني فسر بخبر القزم فكتب إلى هرخفف يأمر بإحضاره إلى منف، وهذا نص الكتاب:(واصحب معك في السفينة بعض الخفراء لحراسته كي لا يقع في الماء أو يفلت في الليل، لأني أسر برؤية القزم أكثر من جميع ما أحضرت من بلاد بنت)، فحفر هرخفف هذا الخطاب مع خبر غزوته على واجهة قبره في جزيرة الفنتين
وفي عهد الأسرة الثانية عشرة أرسل (اوسرتسن) الأول ثاني ملوك هذه الأسرة القائد هونو إلى بلاد بنت بطريق قفط والقصير لجباية الجزية من أمراء تلك البلاد، فأدى مهمته ثم عاد. وقد جرد هذا الملك حملة بطريق النيل فامتدت حدود مصر الجنوبية حتى الشلال الثاني، وقد عثروا على حجر في هيكل جهة حلفا (نقل الآن إلى فلورنسا) وعليه صورة هذا الملك وبجانبه المشايخ الثمانية لرؤساء القبائل التي تغلب عليها؛ وفي عهد (اوسرتسن) الثالث خامس ملوك هذه الأسرة امتدت حدود مصر إلى شلال سمنه جنوباً، وتوجد آثار هيكل من بقايا أعمال ذلك العصر، كما وجد حجران جعلا الحد الجنوبي للبلاد المصرية مكتوباً على أحدهما ما معناه: (هذا حد مصر الجنوبي الذي عين في السنة الثامنة من حكم