للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[آيتان. . .]

للأستاذ محمود شلتوت

كان فيما قررناه سابقاً: أن القرآن كله قطعي في وروده، وأنه في دلالته نوعان: قطعي لا يحتمل التأويل، وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر، وأن هذين النوعين قد وجدا في العلميات والعمليات، وأن النوع الثاني لا يصلح أن يتخذ دليلا على عقيدة يحكم على منكرها بأنه قد كفر. قررنا هذا ثم أخذنا في تطبيقه على الآيات التي أوردوها في شأن عيسى من رفعه أو نزوله، فأرجعنا هذه الآيات إلى أنواع ثلاثة بينا بطلان رأيهم في نوعين منها، واليوم نذكر النوع الثالث وهو آيتان زعموا أنهما تدلان دلالة قاطعة على نزول عيسى:

إحداهما: قوله تعالى في سورة النساء (وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا)

والأخرى: قوله تعالى في سورة الزخرف (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها)

ما غاب عنا، وقت أن كتبنا الفتوى، النظر في هاتين الآيتين وفي درجة دلالتهما على نزول عيسى، وما غاب عنا ما ذكره المفسرون من الآراء والإفهام المختلفة فيخما، وما كنا نحسب - ونحن بصدد البحث عن دليل قاطع يحكم بالكفر على مخالفه - أن أحداً يعرض لهاتين الآيتين وقد رأى فيهما ما رأينا من أقوال المفسرين المختلفة في ذاتها، والمختلفة في ترجيحها، فيقول إنهما نصان قاطعان في نزول عيسى! ولذلك آثرنا إذ ذاك أن نترك الكلام عليهما اكتفاء بظهور درجتهما في الدلالة لكل من يقرأ شيئاً من كتب التفسير. ولكنهم أبوا ألا أن يذكروا هاتين الآيتين ويزعموا أنهما تدلان دلالة قاطعة على نزول عيسى، فلسنا نجد بداً من أن نضع بين يدي القراء خلاصة لآراء المفسرين فيهما، ثم نقفى على ذلك بما نرى ليتبين الحق واضحاً:

الآية الأولى:

للمفسرين في هذه الآية آراء مختلفة وأشهرها رأيان:

الأول: أن الضميرين في (به) و (موته) لعيسى. والمعنى: ما من أحد من أهل الكتاب يهوديهم ونصرانيهم إلا ليؤمنن بعيسى قبل أن يموت عيسى. قالوا: أخبرت هذه الآية أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>