كثر الكلام في هذه الأيام عما كان بين آدم وحواء لعهد الجنة وعهد الأرض. وقد تورط صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم فأقحم خياله الروائي في شؤون فصل فيها التاريخ منذ أجيال طوال ولم يبق موجب لذلك التورط بعد حكم التاريخ، فهذا الصديق يعرف أن آدم من الأنبياء والتزيد عليه لا يجوز وإن احتال فزعم أنه يكتب باسم الفن لا باسم التاريخ
وهل يستطيع بفنه الروائي أن يخلق من الصور مثل ما سجل المؤرخ شيث بن عربانوس، طيب الله ثراه؟
ولكن ما حديث ذلك المؤرخ المجهول؟
لم أكن أعرف عنه شيئاً قبل سنة ١٩٣٣، وإنما هداني إليه أستاذنا المرحوم احمد زكي باشا بعد أن انتهى ما كان بيني وبينه من خصومة وصيال
فإن سألتم كيف ابتدأت تلك الخصومة وكيف انتهت فأنا أدونها في سطور ثم أمضي إلى ترجمة شيث بن عربانوس بإيجاز، تمهيداً لشرح آرائه في آدم وحواء بإطناب:
كانت وزارة المعارف قررت إقامة حفلة تأبين للشاعر احمد شوقي، حفلة يشترك فيها أقطاب البلاد العربية، وكان منهاج الحفلة يوجب أن يتكلم الضيوف في الأوبرا الملكية تكريماً لمقدمهم الحميد. أما أدباء مصر فيتكلمون في الحفلات التي تقام بكلية التجارة، وهي حفلات دامت ثلاثة أيام، وكانت أشبه بسوق عكاظ، فقد اتسع فناء الكلية للمئات أو الألوف ممن يسرهم أن يستمعوا كلمات الخطباء وقصائد الشعراء
ومضيت لأشهد الحفلة الأولى بكلية التجارة فهالني أن أسمع خطيباً يتنحنح بعنف، مع أني لم أكن اجتزت عتبة الكلية، فسألت نفسي كيف يصل صوت التنحنح برغم تلك الأبعاد الطوال وبعد لحظة فهمت أن الحفلة أقيم لها ميكروفون، وأقيم لذلك الميكروفون مسامع في جميع الأركان. فمن السهل أن يسمع صوت الخطيب جميع المارة بشارع (قصر العيني) أو شارع (أفر الأنجال)، ولا تسأل عما تصنع النحنحة وقد ضجت بها مسامع ذلك المذياع؟
ونظرت فإذا الخطيب أحمد زكي باشا. فكيف غاب عنه وهو عالم علامة أن الميكروفون