[البحر والقمر]
للأستاذ علي محمود طه
(من ذكريات مدينة (كان) بالريفييرا الفرنسية صيف عام
١٩٤٦ وقد أقيمت في خليجها الفاتن حفلة شائقة للسياحين
والسياحات ذات ليلة مقمرة استمرت حتى مطلع الفجر)
تساءل الماء فيكِ والشجرُ ... من أين (كانُ) هذه الصورُ؟
البحر والحور فيه سابحة ... رؤًى بها بات يحلُمُ القمرُ!
أطلّ والضوء راقصٌ غزِلٌ ... دعاه قلب، وشاقه بصرُ
يهمسُ فيما يراه من فِتَنٍ ... آلهةٌ هؤلاءِ أم بشرُ؟
يقفز من لجةٍ إلى حجرٍ ... كأنما مسَّ رُوحَه الضَّجرُ
معربداً لا يريم سابحةٌ ... إّلا ومنهُ بثغرها أثرٌ
من كل حواء مثلما خلقت ... يعجب منها الحرير والوبر
ألقته عنها غلالة ونضَتْ ... جسما تحامى نداءه القدر
في حانة ما علت بها عمد ... ولا استوى في بنائها حجر
جدرانها الماء، والسماء لها ... سقيفة، والنسائم السُّترُ
خَّمارُها منشد، وسامرُها ... حور تلوَّى، وفتية سكروا
لم تبق في الشط منهم قدم ... قد خوَّضوا في العباب وانتثروا
وشيَّعوا العقل حينما شربوا ... وودَّعوا القلب حيثما نظروا
والسابحاتُ الحسانُ حولهمو ... كأنهنَّ النجوم والزهرُ
يزيد سيقانهنَّ من بهج ... لون عجيب الرواء مبتكر
يضئ ورداً وخمرة وسني ... ذوب من المغريات معتصر
تغاير الموج إذ طلعن به ... وثار من حولهن يتشجر
بهنَّ يلتفُّ مرتًقى ويُرى ... ينشقُّ عنهن فيه مُنحدَرُ
منفتلات قدودُهنّ كما ... ينفتل الغصن آده الثمرُ