في إنجلترا كتاب عالميون لا يقع فيها حادث كبير إلا كان له شأن معهم أو كان لهم شأن معه، لأنهم أكبر من أن تعبرهم الحوادث منسيين في بلادهم، أو في البلاد الغربية عامة. ومن هؤلاء - إن لم نقل في طليعتهم - الرياضي الفيلسوف الناقد الاجتماعي برتراند رسل
هذا الرجل مؤلف كتاب في الرياضة العليا. سئل القراء العلميون في أنحاء الغرب عن مائة كتاب هي الأولى فيما ألف بنو الإنسان، فكان كتابه هذا واحداً منها وعلى رأسها
وهذا الرجل هو ثالث النبلاء من آل رسل المشهورين، ولكنه نزل باختياره عن لقبه لأنه يقول بإلغاء الألقاب
وهذا الرجل حكم عليه بالحبس وبالغرامة في الحرب الماضية لأنه عارض الحرب اعتقاداً منه بإمكان اجتنابها. ودعته جامعة في الولايات المتحدة لإلقاء محاضراته الرياضية والفلسفية على طلابها فحيل بينه وبين السفر مخافة الرأي الذي قد ينشره هناك، ولم يبال قبل ذلك أن ينشره في صميم بلاده
وهذا الرجل أجرأ من كتب في الأخلاق من الإنجليز، غير مكترث لما يصيبه من جراء ذلك في حياته الخاصة وأعماله العامة، وقد أصابه من الأذى كثير
فلما نشبت الحرب الحاضرة كان قراؤه في أنحاء العالم يسألون: أين برتراند رسل؟ أين برتراند رسل؟. . . لأنهم قدروا له موقفاً لا يتخلى عنه، ثم عجبوا من سكوته كما عجبوا من السكوت عن ذكره، حتى جاء البريد الأمريكي يوماً فإذا بالرجل في الولايات المتحدة، وإذا بهم يحملون عليه هناك وقد كان مظنوناً في إبان الحرب الماضية أن الولايات المتحدة ملاذه الأمين الذي يتقي فيه الحملات!
لكنه تلقى حملة بعد حملة من رجال الدين وهو مترفع عن ردها، على كونه أجرأ الكتاب على المصاولة، ولم تمنع هذه الحملات أن يختاره العارفون به لتدريس الرياضة والفلسفة تارة في كاليفورنيا وتارة في نيويورك. ورأينا له صورة بين الطلبة الفتيان وهم حافون به كأنه واحد منهم وهو في الثامنة والستين مجلل الرأس بالشيب، وهم دون العشرين أو يتجاوزونها بقليل