للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعتزل الحب!]

للأديب حسين شوقي

الكونتس (س) سيدة في العقد الخامس من عمرها، أما جنسيتها فلا تهم كثيرا لأنها غنية جدا، والمال جواز سفر دولي تستقبل به بالترحاب في كل مكان، إن الكونتس (س) وهي سيدة صالونات - تلم إلماما تاما بجميع اللغات الحية كأنها سكرتيرة ممتازة بعصبة الأمم.

توفي زوجها حديثا فحزنت عليه لأنه كان رجلا طيب القلب، وديعا مطيعا لها مثل كلبها الصيني الصغير (بيبي) وكانت فضلا عن ذلك تتخذه حجابا لستر غزواتها الغرامية الكثيرة، وكانت الكونتس نهمة في الحب، بل شيوعية، لا تبالي إن قضت ليلتها مع أمير من الأمراء أو مع سائق سيارتها، وتمضي الكونتس (س) زمنا طويلا في معاهد الجمال، لتصلح أولا فأول الآثار التي يحدثها الزمن في وجهها، ولكن هذه الآثار كانت تزداد يوما عن يوم حتى قلقت الكونتس على مصيرها، لما ينتظرها وراء ذلك من شيخوخة محتمة. . لذلك فكرت في اعتزال الحب، كما فعلت المحظية المصرية الشهيرة تاييس التي روى قصتها الكاتب العظيم اناطول فرانس، أجل! ستفعل الكونتس ما فعلته تاييس قبلها، وتقيم هي أيضا في كوخ بصحراء مصر النائية.

وفي صباح يوم من الأيام، وبعد أن شاهدت الكونتس في الليلة تمثيل تاييس بالأوبرا، قالتلوصيفتها ماري:

ماري، إنني صممت على أن اعتزل المجتمع. اعدي الأمتعة، سوف نرحل إلى مصر حيث نعيش في الصحراء في عبادة وتقشف مثل تاييس المحظية المصرية التي اعجب بتضحيتها كل الإعجاب. . .!

فابتسمت الوصيفة ولم تجب، لأنها مقتنعة إن سيدتها غير جادة في قولها، وإنها إذا ذهبت إلى مصر فإنما تذهب لتهرب من برد العواصم الأوروبية القارس، ثم عادت الكونتس فقالت:

حقا! إنني سئمت المجتمع وما فيه من خدع وخيبة أمل! ولا سيما بعد خيانة صديقي جان، الراقص بفندق (بلاس) آه! إنني كنت احبه حباً عميقاً، كما كنت مفتونة بشبابه الغض، كيف استطاع أنيكذب علي وهو في مثل هذه السن الصغيرة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>