[بنى وطني. . .]
لشاعر العراق الأستاذ معروف الرصافي
بنى وطني ماذا أُؤمِّل بعد ما ... تفشَّت سعاياتٌ لكم بالتجسسِ
أقول لن قد لامني في تَشدُّدي ... على كل تدليسٍ أتى من مدلِّس
لو أسودَّ وجه المرء من قبح فِعله ... لما كنت تلقى عندنا غير مُدفِس
ولو نال بالإخلاص مثرٍ تراءهُ ... لما كنت تلقي بيننا غير مفلس
نحاول عزَّا بابتذال نفوسنا ... فنشري خسيساً بالثمين المقدس
ومن جهلنا استكراهُنا في معاشنا ... شقاءً نزيهاً للنعيم المدنَّس
سأرحل عنكم للذي قد أقامني ... على موحشٍ من أمركم غير مؤنس
أبَيْتُ لنفسي أن تحلَّ مكانةً ... من العيش إلا فوق عز مؤسس
ولو أنَّ هذا الصبح كان انبلاجُهُ ... بغير شروق الشمس لم يتنفَّس
فلا أبتغي بالذل عيشاُ مرفَّها ... ولو عشت في العُزَّى بقولٍ مُدمَّس
وما أنا كابن العبد إذ عانق الردى ... لِجَدْوَى أَبَتْهَا رغبة المتلمِّس
إذا ابتسمت لي عفتي ونزاهتي ... فلست أبالي بالزمان المعبّس
أقابل أخلاق الرجال بمثلها ... وأعرف منهم وجهها بالتفرس
فأعنو لمن يعنو وأقسو لمن قسا ... واظهر كالغطريس للمتغطرس
ولست أُجازِي المعتدي باعتدائه ... ولكن بصفح القادر المتحمس
وما أنا من أهل الدعارة والخنا ... ولا من أولى حمل السلاح المسدّس
ولكنَّ لي فيكم يراعاً إذا شدا ... أتاكم بكافٍ من عُلاه ومُخرِس
وما خالق الأكوان إلا مهندس ... وإن جل عن تعريفه بالمهندس
تجلّى على أكوانه بصفاته ... وأغلس فيهم كُنهُهُ كل مُغلَس
وأقبسهم نوراً شديداً جلاؤه ... فساروا به كالعُمى في كل حِندس
وألبسهم حمر الغرائز فاغتنوا ... بحمرتها عن كل ثوب مورَّس
وما مُقبِس عند النهي غير قابس ... ولا لابس عند النهي غير مُلبس
فأيَّان جال الطرف لم ير غيره ... إذا كان في ألحاظه غير مُبلِس