للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلي أخي في الجنوب]

للأستاذ أنور المعداوي

(يا أخي؛ يا أخي في الله والدين والوطن. . إن الأرض التي جمعت بين قلبي وقلبك لتجمع بين جراح وجراح، وإن النيل الذي ربط بين روحي وروحك ليربط بين كفاح وكفاح. . أنا هنا وأنت هناك؛ ويا بعد الشقة في منطق الظلم البغيض ويا قربها في منطق الحب المتغلغل بين طوايا الوجدان. . نحن يا أخي في ميدان الجهاد يد تمد إلى يد، وفي معرض التضحية قدم تسعى إلى قدم، وفي مجال الوفاء عاطفة تقبس من عاطفة!

من الحق أن ننعت بالإنجليز بأهم مثاليون في بلادهم؛ مثاليون في قيم النزاهة ومعايير الخلق وموازين الضمير. . ومن الحق أيضاً أن ننعتهم بأنهم مثاليون في غير بلادهم؛ مثاليون في الأنانية والجشع، وضيعة الضمير والخلق، وانحطاط الشعور والإنسانية، وانتفاء العدل والإنصاف. . وتلك هي العناوين الضخمة التي يسطر تحتها التاريخ كلماته الخالدة، حين يعرض للحكم البريطاني في كل أرض سكنها الأحرار في كل زمان ومكان!

يا أخي، يا أخي في الله والدين والوطن. . إن الأنشودة الرائعة التي بدأناها في شمال الوادي، أنشودة الجهاد التي انطلقت من قيثارة الأحرار، قد أذن الله أن ترسل أنغامها في جنوبه، وكل نغم إلى فناء، وكل نار إلى رماد، وكل ذكرى إلى نسيان. . ولكن أنغامنا ستظل إلى الأبد ترن في مسمع الزمن، ولكن نارنا ستظل إلى الأبد تضيء الطريق للحائرين، ولكن ذكرانا ستظل إلى الأبد قصة تروى وعطرا يفوح!

ولا علينا يا أخي من تلك القيود. . إن معدنها الرخيص سيذوب يوما تحت وهج النار المتأججة في حنايا الضلوع! ألا ليت الطغاة قد جعلوا شعار حكمهم هذه الكلمات التي انطلقت من أعماق بطل الحرية إبراهام لنكولن: (إن ضوء الشمس لا يفرق في يد الله بين أحرار وعبيد، فلم يفرق ضوء الحرية في أيدينا بين أنصار وخصوم)؟!

ومع ذلك فسنمضي اليوم وغدا جنبا إلى جنب، وقلبا إلى قلب، وعيوننا أبدا إلى الأفق البعيد)!

هذه كلمات وجهتها بالأمس على صفحات الرسالة، إلى كل سوادني كريم على نفسه وكريم على وطنه؛ كل سوداني أنزله من نفسي منزلة الود الخالص والأخوة المتسامية، الأخوة

<<  <  ج:
ص:  >  >>