للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من القرن الثامن عشر]

٢ - جاكومو كازانوفا

جوَّاب مجتمع ومغامر مرح

للأستاذ محمد عبد الله عنان

قضى كازانوفا صباه وفتوته الأولى محروماً من عطف والديه، يجوز حياة مضطربة، ويتقلب بين شظف العيش ورفاهته، ويلقي بنفسه المضطرمة إلى غمار من اللهو والإدمان والخلاعة، ويلتمس متاع الحياة بأي الوسائل. وكان يرى لهواً ولعباً، ولكن الحياة الناعمة تتطلب الرزق الوفير، ولابد أن يجد كازانوفا لنفسه وسائل الارتزاق. وكانت المقامرة يومئذ رذيلة المجتمع الرفيع، ولكنها كانت أيضاً ملاذ المغامرين من كل ضرب، يلتمسون بها الرزق والثراء؛ وكازانوفا مقامر بارع، فلم لا ينزل إلى هذا الميدان؟ وبسم له الحظ في المقامرة، وانتظم في سلك المقامرين المحترفين الذين يستحلون كل الوسائل للكسب أو للسرقة المستترة؛ ورأى فوق ذلك أن يتشح بثوب الخفاء، وأن يحترف الشعوذة وكشف الأسرار؛ وكانت الأذهان يومئذ تشغف بالخفي والمجهول، وكان كازانوفا يجيد هذا الضرب من الشعوذة، وقد رأيناه يتخذه سبيلا لتمكين نفوذه لدى صديقه وحاميه الجديد السيد براجادين

وهكذا نزل كازانوفا إلى ميدان المغامرة مسلحاً بأسلحة العصر، يلتمس الرزق من طريق المقامرة، ويلتمس النفوذ من طريق الشعوذة، ومن ورائه عصبة من الأصدقاء الأقوياء الذين يخلبهم بروائه وظرفه وشعوذته؛ وكانت هذه الحياة في نظر المغامر هي المثلى، وكان يرى المجتمع من حوله موبوءاً يموج رذيلة وفساداً، ويرى الشرف والكرامة والنزاهة وكل ما إليها كلمات جوفاء لا يتحلى بها أرفع من يسودون المجتمع من أمراء وأحبار وسادة، فكيف يطلب إليه هو أن يخضع حياته لمثل هذه الأباطيل؟

وكان كازانوفا ينزل يومئذ عن السيد براجادين كما رأينا، ويعيش منعما مرفهاً، يقضي أيامه في لهو ولعب ونزه وغزل لا ينقطع، يجوب شوارع البندقية المائية في قاربه الوثير، ويتسقط مواعيد الحب كل مساء. وكانت المرأة عنده غاية الغايات، وكان الحب فنه ومهنته

<<  <  ج:
ص:  >  >>