التي كأنه فطر عليها بطبيعته وخلاله وعواطفه، وكان مسلحاً لهذه الغاية بأخص الصفات التي تذلل له غزو القلوب، فقد كان بديع القد والتكوين، وسيم الطلعة، ذا سمرة جذابة؛ وكانت عيناه الواسعتان تشعان سحرا وذكاء وشهوة؛ وكان ذا شخصية جذابة، حلو الحديث والشمائل، جواداً، جم الأدب والظرف، يضطرم حباً وجوى؛ وكانت له فراسة خاصة في تفهم عقلية المرأة وميولها؛ وكان ظفره المتوالي في الحب يذكي عزائمه ورغباته، ويدفعه دائماً إلى البحث عن غزوات جديدة؛ وكان يشعر شيئاً فشيئاً أن البندقية لم يبق فيها ما يمكن أن يغزوا وأن يستمرئ، وأن إيطاليا كلها قد غدت تضيق بجولاته ومغامراته؛ وكانت فرنسا تجذبه يومئذ بشهرتها وروعة الحياة الساطعة التي يحياها المجتمع الرفيع فيها؛ وسرعان ما سنحت له الفرصة لتحقيق أمنيته، فسافر إلى باريس ليخوض غمار هذه الحياة الساطعة، وكان يومئذ في نحو السادسة والعشرين
وكان المجتمع الفرنسي، ينحدر يومئذ، في عهد لويس الخامس عشر، إلى نوع من الخمول الباهر، ويستمرئ حياة عاطلة من المثل المعنوية الرفيعة، فياضة بالرغبات والشهوات الوضيعة؛ وكانت دولة الغانيات، من أمثال دوباري وبومبادور هي صاحبة الحول والسلطان يومئذ؛ وكان يلتف حول هذا الملك الخليع بلاط وضيع الخلال، يضرب بتهتكه وانحلاله للمجتمع الرفيع أسوأ المثل؛ وكانت حياة هذا المجتمع - مجتمع النبلاء والسادة - كلها لهو ولعب وحب وغزل وفساد ورياء؛ فإلى هذا المجتمع الباهر الخامل معاً هبط كازانوفا يبحث عن طالعه في عالم الحب؛ وهنالك تعرف منذ مقدمه بمواطنه الممثل الشهير ماريو باليتي وزوجته سلفيا، وكانا يومئذ من أعلام مسرح (الكوميديا الإيطالية)؛ فعلمه شيئاً من اللغة الفرنسية، وعرفه بكثير من الشخصيات البارزة من رجال ونساء؛ واندفع كازانوفا إلى هذا العالم الجديد يتذوق مسراته، ويتابع غزواته النسائية بين الممثلات والراقصات وسيدات المجتمع الرفيع؛ وهو يذكر لنا في مذكراته التي نشير إليها فيما بعد، طائفة من أسماء هؤلاء اللائى ظفر بهن في تلك الفترة مثل ميمي ابنة السيدة التي نزل عندها، والآنسة فزيان وهي فتاة أجنبية زائرة، ولويزون مورفي الشهيرة التي أدخلت (حريم) لويس الخامس عشر فيما بعد، والآنسة سنت هيلير، وسيلفيا زوجة صديقه، وغيرهن؛ واستطاع كازانوفا في نفس الوقت أن يتذوق طرفاً من الحياة الأدبية، وأن يتصل ببعض