كثيراً ما يسألني الذين لم يشهدوا الثورة المصرية - لأنهم كانوا أطفالاً - (هل كانت حقيقة رائعة؟)
فأقول:(لقد بلغت غاية الروعة - في حدودها. ولم يكن في الوسع أن تكون فوق ما كانت؛ ولكنها فشلت - مع الأسف - لأنا أحطنا قوميتنا بمثل سور الصين)
ذلك أني أؤمن بما أسميه (القومية العربية) وأعتقد أن من خطل السياسة وضلال الرأي أن تنفرد كل واحدة من الأمم العربية بسعيها غير عابئة بشقيقاتها، أو ناظرة إليها؛ ويحنقني ويستفزني أن أرى أحداً ينظر إلى مصر كأنها من أوربا وليست من الشرق. وعندي أن الجنسية الشرقية هي أساس حياتنا وتاريخنا، وأن هذه النظرة تفسد مزايانا الشرقية - إذا لم تفقدنا إياها - ولا تكسبنا مزية من مزايا الغرب؛ والعلم ينقل، وقد نقل من الشرق إلى الغرب، ومن اليسير أن ينقل من الغرب إلى الشرق من غير أن يحاول الشرق أن يغيّر جلده أو يخسر خصائصه
وقد اعترض عليّ شاب - ذات مرة - ونحن في حديث كهذا، فقال:(وما الرأي في القومية؟ أليست حقيقة تاريخية تفرّق بين هذه الشعوب والأمم التي تريد أن تجمعها وتربطها برباط واحد؟)
فقلت له: (إن هذه القوميات العنيفة الضيقة الحدود، حديثة من الوجهة التاريخية، وهي - بحدتها الحاضرة - بنت العصر الحديث، أو إذا شئت، فقل إنها وليدة الحرب العظمى، وإن كان صحيحاً أنها سبقت الحرب بنصف قرن تقريباً، بل إن فكرة الإمبراطورية البريطانية نفسها ليست إلا بنت القرن العشرين. ولعل أكبر مسئول عن بث هذه الفكرة هو الشاعر كبلنج. ما علينا من هذا، ولنرجع إلى حديث الشرق: لقد كانت هناك وحدة وثقافة إسلاميتان دان لهما الشرق، أو ما يعنينا منه، وظلت هذه الوحدة قائمة على الرغم من انحطاط الثقافة، ولم يمنعها أن تظل قائمة أنَّ ثورات شبت، وحروباً استعرت، فإن هذه أشبه بالفتن الداخلية والحروب الأهلية؛ وقد كان العلماء والأدباء والفقهاء يرحلون من بلد إلى بلد، ولا يحسون أنهم تركوا أوطانهم وتغرّبوا، ولا يشعرون أنهم اجتازوا حدوداً، وتخطوا تخوماً، تفصل بين