كان المستشرقون أول من عني بالبحث في اللغة العربية وأخواتها من اللغات السامية في مطلع العصر الحديث، دراسة منتجة مثمرة، تعتمد على العقل والفكر والاستنباط، وتتخذ مادة درسها من الكتب والآثار والمقارنة، ومن ثم بدأ علماؤهم يجوبون الأقطار العربية وما اتصل بها قديما من أمم، وذهب كثيرون منهم شهداء العلم، اغتالهم الجهال، أو أضناهم العمل، أو أفناهم المرض، أو فتكت بهم الأوبئة!
وقد انتهت هذه البحوث إلى أن اللغات السامية نشأت من أصل واحد، ثم تنوعت بفعل البيئة أو تطورت بعامل الزمن فنشا ما بينها من تفاوت لا يمس أصولها، ولا يقطع ما بينها من رحم، وأن على الباحث في واحدة منها، أن يستهدي أخواتها الأخريات.
فلما تقدمت الحياة العقلية في مصر، رأى الذين يهمهم أمر الثقافة العربية، أن مجال التقدم والابتكار فيها، والكشف عن كنوزها، وتبيان غامضها، ما زال ضيقا، وأن الشرق في تفهمه لآثاره عالة على الغرب، يتابع خطواته، ويتلمس طرائفه، ويتلقى ما انتهى إليه من نتائج قضايا مسلمة!
وكان واضحا أن نقطة الضعف في التفكير العربي المعاصر، أن الذين يتصدون للبحث في شتى أنواع المعارف القديمة، يجهلون اللغة العربية ولا يلمون بدقائقها، مما ينتج عنه سوء فهم لتلك الثقافات، أو خطأ في الإلمام بقضاياها، وكان مخجلا أن يدرس التاريخ الإسلامي أو يؤلف فيه من لا يعرف أصول اللغة وتاريخها ومادته جلها نصوص لغوية وأدبية، أو يتصدى للفلسفة الإسلامية شارحا أو مؤرخا، وهو يجهل التطور الذي أصاب اللغة، فجعل للفظ معناه حين يكون في القاموس مغايرا لمعناه إذا ورد في أساليب الفلاسفة، فكان الخلط والاضطراب والتعثر، ملحوظا لكل من يطالع النتاج المعاصر في الفلسفة أو التاريخ أو الشريعة، وغيرهما من التراث العربي القديم، إذا استثنينا القليل!
ولم يكن هذا الخلط وقفا على الثقافة التي تبعد عن اللغة قليلا أو كثيرا، ب امتد أثره حتى إلى اللغة نفسها، ذلك أن تقدم الإنسانية وسع من إمكانيات الدارسين والمؤلفين، وانتشار الطباعة والتخصص جعل مهمتهم سهلة لينة، وتقدم منهاج البحث العلمي والاستعانة