للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

دراسات في الفن

الحرب والفن

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

الشعوب المحاربة بطبعها هي الشعوب التي تسكن الصحارى والمراعي، وما يشبه الصحارى والمراعي من الأرض القاسية على أبنائها التي لا تجود عليهم برزق كاف أو رزق منتظم، فيحملهم الفقر على هجرة أرضهم والإغارة على أرض غيرهم لينهبوها ويعودوا إلى أرضهم، أو ليغتصبوها ويستوطنوها سادة لأهلها. فإذا اطمأنوا في أرضهم الجديدة فإنهم على مر الزمن قالعون عن طبعهم داخلون في طبعها فلا يبقى لهم من نزوعهم إلى المحاربة إلا ما سمحت به

أما وهم على طبعهم الميال إلى الحرب فإن فنونهم تكون مما يلائم حياتهم. وهم في حياتهم رحالة، فقراء، مقاتلون؛ وقلقهم الدائم الذي يضطرهم إلى الهجرات المتتابعة لا يخلق عندهم الفنون التي تحتاج إلى أدوات ثقيلة، والى مكان تسكنه. لهذا لم يكن عند القوقاز تماثيل ولا صور، ولهذا لم يكن عند العرب موسيقى مما يستلزم عزفها الأدوات الثقيلة التي تزحم المحارب في المحارب. ولهذا لم يكد يكون عند الشعوب المحاربة من الفنون إلا الشعر والغناء والرقص

أما فقرهم فيصبغ روح الفن نفسها، فهو يخلق فيهم حباً للمال كما يخلق فيهم زهداً فيه. فهم يحبونه لأنه دليل على البطولة الواجبة للحصول عليه لأنه لا يستخلص إلا بالحرب والمجاهدة؛ وهم يزهدون فيه لأنه ليس دليلاً على شيء من هذا، فقد يبذل الكريم ماله للمحتاج حتى يفتقر فلا يأسف على ضياعه ولا يمكنه أن يعلن حسرته عليه إلا إذا أراد أن يعرض بأهله وأن يتهمهم بالتخلي عنه حتى ليستشعر الذل، أو إذا كان هذا الفقر نتيجة لكارثة لم يكن للإنسان يد في صدها كالطوفان أو

الحريق

ودأبهم على المقاتلة يشارك هذا الفقر في صبغة روح الفن كذلك، إذ يخلق لهم مثلاً علياً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>